موازنة 2023: هل يُصلح البترول ما أفسدته الكورونا؟

حجم الخط شارك طباعة

| منذ 2022/04/12 21:04:11

أعلنت وزارة المالية مقترحها لموازنة العام القادم بعجز يزيد عن 3 مليار دينار، وأرسلت الوزارة موازنتها إلى مجلس الوزراء قبل أسابيع لمراجعتها ثم عرضها على مجلس الأمة لإقراره. وقدرت الوزارة سعر برميل البترول عند 65 دولار بزيادة قدرها 20 دولار عن موازنة العام الماضي، على الرغم من أن سعر البرميل ارتفع إلى أكثر من 120 دولار بسبب الحرب الروسية الأوكرانية الجارية.

 

يتوقع خبراء أن ينخفض سعر البرميل الخام مرة أخرى لكنه في كل الأحوال لن يعود إلى سعر 65 الذي توقعته وزارة المالية وبنت عليه موازنتها. وحددت الموازنة المقترحة سعر 75 دولار للبرميل كسعر للتعادل كي يختفي عجز الموازنة، وفي حال ثبات سعر البترول عند المعدلات الحالية، فإن الكويت قد تحقق فائض في موازنتها لأول مرة منذ عدة سنوات.

وكشف مشروع الموازنة الجديدة عن انخفاض العجز لنحو 74.2% عن الموازنة الحالية والتي انتهت في 31 مارس السابق. وجاء في بيان وزارة المالية أن الإنفاق سينخفض بنسبة 4,8 % إلى 72,8 مليار دولار، على أن يخصص 74,5 % من هذا الرقم لرواتب الموظفين العامين والمساعدات الحكومية.

 

 

ونقل البيان عن وزير المالية وزير الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار عبدالوهاب محمد الرشيد قوله "تم بفضل الله وبفضل تضافر الجهود والالتزام بتوجيهات مجلس الوزراء الموقر بترشيد الإنفاق العام، فقد قامت وزارة المالية بوضع سقف للميزانية لا يتجاوز 22 مليار دينار. مع المحافظة على نسبة صحية للإنفاق الرأسمالي لدعم عجلة الاقتصاد الوطني".

 

 

ووفقا لمشروع الموازنة المنشور على موقع الوزارة فإن الإيرادات المتوقعة تبلغ 18.8 مليار دينار، فيما تبلغ المصروفات 21.9 مليار دينار. وتتربع العائدات النفطية على رأس مصادر الدخل بنسبة 89% من إجمالي الواردات، فيما يتصدر بند المرتبات نسبة 75% من إجمالي المصروفات.

 

 

من جانبه أكد وزير التجارة والصناعة الكويتي "فهد الشريعان" في تصريحات صحفية لوكالة سكاي نيوز؛ أن ارتفاع أسعار النفط دعم موازنات دول الخليج للتعافي من تداعيات أزمة جائحة كورونا، لكنه نبّه في الوقت نفسه من مخاطر الصعود السريع المدفوع بالأزمات الذي سيؤثر سلباً على التوازن في السوق النفطية. واعتبر الوزير أن تخطي سعر برميل النفط 100 دولار سوف "يشعل المضاربات ويضر بتوازن السوق"، واصفاً الأسعار الحالية للخام بأنها "مبالغ بها، وارتفاعها مرتبط  بالتوترات الجيوسياسية". وأفاد بأن عجز الموازنة الكويتية للعام 2021/ 2022 تراجع بنسبة 67 % من 9 مليارات دينار عام 2021 ليصل إلى 3 مليارات دينار للعام 2022 بسبب ارتفاع أسعار النفط.

ويحذر الخبراء من التعويل المستمر على ارتفاعات أسعار النفط باعتباره مخرجاً لمشاكل الميزانية، لأن السوق مايزال غير مستقر وبالإمكان فقدان هذه المكاسب إذا حدث قفزة في حجم النفط المعروض.

في بيانه حول استجابة الكويت لجائحة كورونا، قال البنك الدولي أنه ورغم الاحتياطيات النفطية الكبيرة لدى الكويت، فإن التحوُّل العالمي نحو استخدام الطاقة الأنظف يشكل خطرا على استدامة الاقتصاد والمالية العامة للدولة على المدى الطويل. مشيرا إلى أن احتياطيات الكويت المالية الضخمة تعزز استدامتها الاقتصادية بالفعل، لكن إصلاح الموازنة والإصلاح الهيكلي من العوامل الأساسية لتعويض مخاطر انخفاض أسعار النفط وحالة عدم اليقين التي تحيط بالإنتاج.

 

هل تنتهي أزمة السيولة؟

 

تواجه ميزانية الكويت منذ عدة سنوات أزمة سيولة في ظل ارتفاع مستويات العجز، وتكمن الأزمة في صعوبات تشريعية لإقرار حلول تساعد في تنظيم السياسة المالية والتي منها قانون الدين العام. ويرى الخبراء أن الكويت يمكنها تجاوز أزمة السيولة عبر 3 حلول، الأول يتضمن نقل الأصول بين الصناديق الحكومية وهو ما تم بالفعل خلال العامين الماضيين، والثاني إقرار قانون الدين العام والسحب من احتياطي الأجيال على المدى القصير، والحل الثالث، على المدى الطويل، تطبيق مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية الكاملة مع

في 13 سبتمبر 2020 صدر قانون رقم 18 بتعديل بعض أحكام المرسوم بالقانون رقم 106 لسنة 1976 في شأن احتياطي الأجيال القادمة والذي يقضي بوقف استقطاع احتياطي الأجيال القادمة وتغيير نص القانون ليكون: "في حال زيادة الإيرادات السنوية عن المصروفات؛ تقتطع سنويًا نسبة من الفائض الفعلي من نتائج الحساب الختامي للدولة، وتحدد بناء على اقتراح وزير المالية وموافقة مجلس الوزراء وذلك اعتبارًا من نتائج السنة المالية 2018/2019“

وفي مايو الماضي، وافق مجلس الأمة الكويتي على مشروع قانون يقضي بفتح اعتماد مالي إضافي بقيمة 600 مليون دينار كويتي، لمنح مكافآت للصفوف الأمامية التي شاركت في مواجهة مرض فيروس كورونا خلال الفترة الأولى لانتشار المرض. ونصّت المادة الأولى من مشروع القانون بفتح اعتماد إضافي بميزانية الوزارات والإدارات الحكومية للسنة المالية 2020-2021 بمبلغ 600 مليون دينار بميزانية وزارة المالية، فيما نصّت المادة الثانية بأن يؤخذ الاعتماد الإضافي المشار إليه من المال الاحتياطي العام للدولة.

وتناولت التقارير الاقتصادية الدولية، عدة مؤشرات حول مستقبل الأزمة الاقتصادية بالكويت، حيث أشارت وكالة “فيتش” في فبراير الماضي، في تقريرها حول أسباب تخفيض التّصنيف الائتماني للدّيون الكويتيّة من مستقرّة إلى سالبة، إلى تصريحات وزير الماليّة الكويتي خليفة مساعدة حمادة، بأن السيولة بخزينة البلاد قاربت على النفاد.

وتعكس النظرة السلبية للتصنيف رؤية الوكالة بشأن المخاطر على المدى القصير والمتوسط، الناشئة عن ضغوط المالية العامة، المتمثلة في النفاد المتوقع للمصدر الرئيسي لتمويل الحكومة صندوق الاحتياطي العام، في حين لم توضع حتى الآن ترتيبات بديلة لتمويل عجز الموازنة، كما يعكس التصنيف المخاطر متوسطة الأجل نتيجة التقدم البطيء في الإصلاح الهيكلي في الكويت مقارنة مع الحكومات الإقليمية الأخرى. وأشار التقرير إلى خطورة استمرار استنفاد صندوق الاحتياطي العام، باعتباره المصدر الوحيد لتمويل عجز الموازنة منذ انتهاء أجل قانون الدين العام في أكتوبر 2017، واحتمالات السحب من صندوق احتياطي الأجيال القادمة.

وكانت الحكومة في محاولة منها لسد العجز بالموازنة، قد تقدمت إلى مجلس الأمة بمشروع قانون يقضي بالسماح لها باقتراض 20 مليار دينار لمدة 30 سنة، لكن مجلس النواب رفض المشروع، رغم تعديل مشروع القانون عدة مرات آخرها بحذف الفترة الزّمنية والاستعاضة عنها بمعيار الحدّ الأقصى للمديونيّة العامة وهو 60% من الناتج المحلي الإجمالي. واعتبر المجلس أن الاقتراض مجرد تسكين للأزمة، بينما المطلوب إصلاح شامل وإعادة النظر في السياسة الاقتصادية والاجتماعية. وتأمل الحكومة في أن المجلس سيراجع قراره بالرفض في ضوء الاعتبارات المستجدة، وأهمها ضخامة الأزمة المالية على المستوى الإقليمي والدولي في ظل تذبذب أسعار البترول. كما أن رفض هذا القانون يعني لجوء الحكومة إلى  السحب من صندوق الأجيال القادمة عن طريق المبادلة، وهو الأمر الذي يعتبره البعض أشد خطوره على المستقبل المالي للدولة.

فيما نقلت صحيفة "الرأي" الكويتية عن "غسان الخوجة"، ممثل مكتب البنك الدولي في الكويت قوله إن ما حققته الهيئة العامة للاستثمار من معدلات نمو صندوق الأجيال القادمة بنسبة 33% "يعكس مؤشرات إيجابية جداً في ظل جائحة كورونا، وهو ما يعطي محفزاً للاقتصاد الكويتي"، لكنه أشار في الوقت ذاته إلى وجود "اختلالات هيكلية تعالج من خلال الترشيد في الإنفاق وتنويع مصادر دخل الدولة".

 

البترول ليس حلاً مستداماً

 

في الكويت؛ حيث الاعتماد الرئيسي على مورد النفط كأكبر مصدر دخل لها، تظهر الحاجة الشديدة إلى تسريع عملية التنويع الاقتصادي لإنشاء نظام متماسك ومستدام يقيها من تقلبات السوق العالمية، ويفتح المجال للاستتثمار الأجنبي، فضلا عن مزايا توسعة الإنتاج الداخلي. وعلى الرغم من الخطط الحكومية للتنويع الاقتصادي، فإنها لا تزال تعاني من تحديات كثيرة، أهمها محدودية القاعدة الإنتاجية للنشاط الاقتصادي واعتماد الصادرات على القطاع الهيدروكربوني، وارتفاع واردات السلع والخدمات، والتركيبة السكانية المعتمدة على العمالة الأجنبية في القطاعين العام والخاص، وما يترتب عليه من ظاهرة البطالة المقنعة وارتفاع هيكل أجور الدولة.

يتحدث كثير من خبراء الشأن الاقتصادي والأكاديميين حول حلول "متكاملة" لتحقيق قفزة نوعية في أداء الاقتصاد الكويتي، أشار تقرير سابق لمركز منظار للدراسات والشئون السياسيىة تحت عنوان " التنويع الاقتصادي: خارطة طريق للنمو" إلى بعض العناصر منها:

 

1.    ضبط معدلات التضخم وتعزيز الاستقرار النقدي بالبنك المركزي وإعادة النظر في سياسة تثبيت سعر الصرف أمام الدولار.

2.    إعادة النظر في بنية القطاع العام، باعتباره أكبر مصدر توظيف للمواطنين، مما يزيد من الإنفاق الحكومي ويرهق الميزانية العامة، ومع وصول هذا القطاع إلى مرحلة التشبع، ظهرت مشاكل مثل البطالة المقنعة وتراجع ربط التوظيف بالكفاءة، وتعويق عملية توريث الشباب للمناسب القيادية.

3.    إصلاح القطاع الخاص الذي يعاني من التركيز وضيق التنوع في مجالاته حتى الآن، وتفضيل المواطنين لانتظار القطاع العام بسبب الفجوة في الأجور والامتيازات بين القطاعين.

4.    توسيع عدد الممتجات المصنعة محلياً وزيادة القاعدة الصناعية، وتتطلب هذه الاستراتيجية جلب قوى عاملة ماهرة ومبتكرة وإحلالها مكان العمالة ذات المهارة المتدنية، ما قد يساهم أيضا في خفض معدل البطالة، بالإضافة إلى تشجيع الاستثمارات الخارجية.



المرفقات




المصادر