العلاقات الكويتية الصينية: الاقتصاد يسبق السياسة

العلاقات الكويتية الصينية: الاقتصاد يسبق السياسة
العلاقات الكويتية الصينية: الاقتصاد يسبق السياسة
حجم الخط شارك طباعة

قسم الدراسات | منذ 2022/05/29 21:05:29

صادف 22 مارس الماضي الذكرى السنوية الـ 51 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين جمهورية الصين الشعبية ودولة الكويت. حيث كانت الكويت أول دولة خليجية تقيم علاقات رسمية كاملة مع الصين في مارس عام 1971، فيما كانت الصين قد اعترفت باستقلال الكويت فور إعلانها في عام 1961. وفي عام 1965 زار أمير الكويت الشيخ "جابر الصباح" دولة الصين في أول زيارة رسمية بأعلى مستوى تمثيلي.

بعد أكثر من ستين عاماً، وفي شهر يوليو عام 2018، قام أمير الكويت الراحل الشيخ "صباح الأحمد" بزيارة تاريخية لدولة للصين تلبية لدعوة الرئيس "شي جينبينغ"، وتعد هذه خامس زيارة للشيخ صباح الأحمد للصين منذ عام 1977 وزيارته الأولى كأمير للبلاد. وهدفت الزيارة إلى ترسيخ العلاقات الثنائية وترسيمها باتفاقيات عديدة بين الجانبين.

تمثل الصين أكبر مصدر للواردات الكويتية وأكبر شريك تجاري في المجال غير النفطي, وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 14.3 مليار دولار. فيما تعتبر الكويت من المصادر الرئيسية التي تستورد منها الصين النفط الخام، وبلغت كمية النفط الخام الذي استوردته الصين من الكويت العام الماضي؛ أكثر من 27.5 مليون طن.

وفي يناير الماضي، زار جمهورية الصين وزراء خارجية كل من السعودية والكويت وسلطنة عُمان والبحرين، إضافة إلى أمين عام مجلس التعاون الخليجي، في إطار تسريع مفاوضات التجارة الحرة بين الطرفين والتفاهم حول أهم المشروعات الاستراتيجية المشتركة الذي يطلق عليه "طريق الحرير".

محطات بارزة في مسيرة العلاقات الثنائية

 

 

تعاون اقتصادي ومشروعات كبرى

 

شهدت العلاقات التجارية بين الدولتين تصاعداً مستمرا منذ عام 1985، حيث كانت أول اتفاقية ثنائية لتنمية وحماية الاستثمارات بين البلدين، وعقدت ندوة الاستثمار في جمهورية الصين الشعبية في الكويت عام 1986 والتي شهدت الاتفاق على مساهمة الكويت في 16 مشروعاً بالصين، ووصلت قيمة التبادل التجاري بين البلدين حينها إلى 140 مليون دولار. وفي ديسمبر1989 كان عدد المشروعات التي تنفذها شركات صينية في الكويت 75 مشروعا، وبلغ عدد الأيدي العاملة الصينية في الكويت نحو خمسة آلاف عاملاً. وبعد تحرير الكويت ساهم مهندسون صينيون في إطفاء آبار النفط التي أشعلتها القوات العراقية في حقل برقان، كما نفذت شركة الهندسة البترولية الصينية مشروع ترميم مصفاة الأحمدي لتكرير النفط.

 

وفي تصريح صحفي سابق، قال سفیر جمهوریة الصین بالكويت "وانغ دي" إن الكویت أكثر دولة عربیة قدمت قروضاً میسرة إلى الصین، بلغت منذ عام 1982 نحو ملیار دولار، وأشار الى أن الكویت أول بلد عربي استثمر في الصندوق السیادي الصیني، بنحو 10 ملیارات دولار منذ عام 2005.

 

في عام 2013 أطلقت الصين مبادرة "الحزام والطريق" المشهور باسم "طريق الحرير"، وتشمل سلسلة ضخمة من المشروعات، للخليج نصيب كبير فيها، وكانت الكويت أول دولة عربية توقع مذكرة تفاهم للتعاون والتنسيق مع الصين عام 2014 أثناء زيارة رئیس مجلس الوزراء الشیخ "جابر المبارك" إلى الصين، حيت تقاطعت المبادرة مع خطة الكويت 2035 التنموية، التي تهدف لتحویل الكویت إلى مركز مالي وتجاري عالمي.

 

 

وفي 2014، أعلن الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية أن إجمالي قروض الصندوق للصين بلغ 280 مليون دينار كويتي، ومن أهم المشروعات التي مولها: مشروع مصنع اسمنت (ننقو) بقيمة 43 مليون دولار، ومشروع إعادة تأهيل البيئة في مدينة (شوزهو) بقيمة 32 مليون دولار، ومشروع طريق (يبين - شانجنج) بقيمة 28 مليون دولار، ومشروع مستشفى (ننغشيا) بقيمة 34 مليون دولار.

 

من جانبها، قامت الصين بتنفيذ بعض المشاريع الهامة بالكويت، وتمثل مدينة المطلاع الجديدة بالجهراء، أحد أهم العلامات الصينية في البلاد، وتقوم عليه شركة "جهتشوبا" للإنشاءات الصينية، وتقع المدينة الجديدة شمال غربي مدينة الجهراء بالكويت، ويغطي مساحة قدرها 30 كلم مربع تقريبا، وتستوعب 400 ألف ساكن، وانتهت الشركة من 3 مراحل بالفعل من المشروع خلال 4 سنوات عمل.

في السياق أيضاً، شهدت العلاقات التجارية بين البلدين قفزة كبيرة في السنوات الثلاث الماضية. ووفقا لأرقام إدارة الإحصاء الكويتية، فإن الصين لا تزال أكبر مصدّر للواردات الكويتية وأكبر شريك تجاري للكويت في المجال غير النفطي. وفي عام 2020، بلغت قيمة التبادل التجاري بين الصين والكويت 14.29 مليار دولار، واستوردت الصين من الكويت 25 مليون طن من النفط الخام بزيادة قدرها 18%. وبذلك قد أصبحت الكويت ثامن أكبر مصدر للنفط الخام للصين. ووفقا للإحصائيات الصادرة عن هيئة تشجيع الاستثمار المباشر، بلغت القيمة المتراكمة للاستثمار المباشر الذي قامت به الصين في الكويت نحو 500 مليون دولار أميركي حتى مارس عام 2021، وبذلك أصبحت الصين ثاني أكبر مصدر للاستثمار في الكويت

 

 

وتشارك الشركات الصينية حاليا في بناء 77 مشروعاً كويتياً مهماً، فيما فتحت الخطوط الجوية الكويتية خطاً مباشراً بين الكويت ومدينة كوانزو الصينية. كما ساهمت الشركات الصينية في تحقيق نسبة عالية لتغطية شبكة 5G في الكويت، فيما أصبحت هيئة الاستثمار الكويتية أول جهة أجنبية استثمرت في خطوط السكك الحديدية فائقة السرعة في الصين. وجاءت الصين في المركز الأول لعام 2020 في إجمالي الواردات إلى الكويت بنحو مليار ونصف دينار كويتي، فيما جاءت في المركز الثاني للصادرات الكويتية بنحو 175 مليون دينار كويتي.

 

فيما أشارت صحيفة الرأي الكويتية في سبتمبر الماضي؛ أن الصين عرضت على الجانب الكويتي إقراضه 16 مليار دولار لتمويل مشروع مدينة الشقايا الاقتصادية، وهو مشروع واعد لتوليد الطاقة الكهربائية من الطاقات المتجددة بقدرة 70 ميجاوات، ويقع في شمال غرب الكويت، ويتألف من 3 محطات لتوليد الطاقة بالرياح والكهروضوئية والحرارية.

وقال الصحيفة إن مسؤولي بنك التنمية الصيني المكلف بإعداد الدراسة الفنية للمشروع، عرضوا بشكل غير رسمي إقراض الكويت 5 مليارات دينار لتمويل إنشاء البنية التحتية المطلوبة للمشروع، تسددها الدولة على 19 سنة، بفائدة تبلغ 5.5 %، لكنهم طلبوا إقرار بعض التشريعات أو التعديلات القانونية التي تضمن استقرار المشروع إضافة إلى منح الممول الصيني الحصرية في بعض الصناعات التي سيسعى إلى توطينها في الكويت، وكذلك اعتماد كود بناء متكامل للمشروع بالتعاون مع البلدية، وأشارت المصادر إلى أن الجهات المختصة في الكويت تدرس العرض الصيني.

وكانت شركة CSCS الصينية قد حازت مشروع بنك الكويت المركزي الجديد، وشاركت شركة "سينوبيك" الصينية في أعمال حفر البترول بمصفاة الزور، كما شاركت شركة "ميتالورجيكال" في مشروع بناء كلية العلوم بجامعة الكويت.

فيما شاركت الكويت عبر الصندوق الكويتي للتنمية في تمويل بناء مطار سيامن الدولي وبناء مستشفى ووتشنغ بالصين.

 

السياسة الصينية تجاه القضايا الإقليمية

 

توافقت السياسة الصينية مع الكويتية في بعض القضايا واختلفت في قضايا أخرى، وفي 2019، عارض برلمانيون كويتيون الانفتاح الصيني تجاه الدول العربية والإسلامية بسبب اضطهادها للأقليات المسلمة في إقليم "شينجيانج" شمال الصين، وطالبوا بوقف محادثات "طريق الحرير"، واستند المعارضون إلى تقرير "هيومن رايتس ووتش"، في فبراير 2019 عن الإقليم حيث ذكر أن " أقلية الإيغور تتعرض للتلقين السياسي القسري، ويجبرون على التخلي عن عقيدتهم، ويتعرضون لسوء المعاملة، والتعذيب في بعض الحالات". فيما تنفي الصين دائماً هذه المزاعم.

في السياق، لم تكن الصين من الدول التي رحبت بالربيع العربي، وساندت النظام السوري الحالي ومن ورائه إيران. حيث أبدت بكين تحسساً تجاه الربيع العربي منذ انطلاقته، لأن المدن الصينينة في ذات التوقيت عام 2011 شهدت خروج بعض المظاهرات، عرفت بالاحتجاجات الصينية من أجل الديموقراطية، أو "ثورة الياسمين"، واستمرت شهراً كاملاً. كما شهدت مناطق الأقلية المسلمة في البلاد مظاهرات واحتجاجات عنيفة، من وقت لآخر، كان أكثرها اتساعاً عام 2009، قبيل اشتعال الربيع العربي، الأمر الذي أثار مخاوف من عودة الاحتجاجات بشكل أكبر.

لكنها في الوقت ذاته دعمت استقرار اليمن تحت حكومته الشرعية، وزار الرئيس الصيني "شي جين بينغ" المملكة العربية السعودية في يناير 2016 وأكد اعتراف الصين بالحكومة اليمنية المدعومة من مجلس التعاون الخليجي.

 كما أن للصين موقف واضح تجاه "القضية الفلسطينية وحق الفلسطينيين في دولتهم على حدود 67. وفي 2018 أعلنت زيادة حصتها في وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) بعد قيام الولايات المتحدة الأميركية بتخفيض مساهمتها فيها.

يبدو للمراقبين أن الصين تدعم دائماً استقرار الدول بغض النظر عن سياساتها الداخلية، وترفض الاعتداءات الخارجية وتجاوز الحدود، مثلما وقفت بجوار الكويت في وجه الغزو العراقي قبل ثلاثين عاماً. لكنها في الوقت ذاته تواجه صراعاً مع جارتها "تايوان" منذ سنوات طويلة دون حل. وهي المواقف التي تنسجم مع توجهات دولة الكويت في القضايا الإقليمية والدولية، حيث تمتعت الأخيرة في العقد السابق بدورها المحوري في الوساطة الدولية وحل النزاعات وجلب الاستقرار للمنطقة.

 

آفاق العلاقات الكويتية الصينية

 

منذ إعلان الولايات المتحدة تخفيض اهتمامها بالشرق الأوسط والتحول نحو الصين باعتبارها المهدد الأكبر؛ انطلقت كل من روسيا والصين إلى الانفتاح المتزايد على منطقة الخليج والدول العربية لملئ فراغ جيوسياسي كبير، وكانت بوابة الاقتصاد هي المفتاح الأول لهذا التوجه.

الباحث "أنتوني كوردسمانا" في تقريره بمركز الدراسات الاستراتيجية، حول التوجهات الصينية تجاه عرب آسيا، أشار إلى مجموعة محددات تقف وراء الانفتاح المتزايد للصين تجاه الخليج، أهمها: اعتماد الصين المتزايد على واردات البترول ما يجعلها أكثر عرضة لأي انقطاع أو تقييد لتدفق الصادرات البترولية من الخليج وعبر المحيط الهندي ومضيق ملقا. ولأن أمريكا لديها شراكة إستراتيجية مع الخليج ودول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فإن ذلك يمثل مصدرًا رئيسيًا للضغط على الصين، وهو الدافع الأساسي للصين في مشروعها الكبير "مبادرة الحزام والطريق" لتأمين حركة الملاحة البحرية التي تضمن تدفق سلس للطاقة والبعد عن التهديدات الأمريكية، خاصة وأن تقرير توقعات الطاقة العالمية الصادر في أكتوبر 2021، أوضح أن الصين ستعتمد بشكل حاد على صادرات البترول في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والخليج حتى عام 2050.

من جانبه، أشار الباحث "ديفيد شينكر" في مقاله بـ "كارنيجي"، أن تحوّل واشنطن نحو آسيا، مقروناً بالانسحاب الفوضوي من أفغانستان، والتردد الواضح في استخدام القوة العسكرية، والاعتماد المتزايد على العقوبات الاقتصادية، دفع العديد من قدامى الشركاء الأمنيين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط إلى تنويع علاقاتهم، ويشهد اللجوء إلى روسيا والصين للحصول على الأسلحة اتجاهاً نحو الازدياد المستمر. وأضاف أن التحول إلى مورّدين آخرين يعكس حقيقة الواقع في عالم متعدد الأقطاب بشكل متزايد أصبحت فيه روسيا جهة فاعلة في سوريا وليبيا، ومن المرجح أن تبقى كذلك حتى بعد حرب أوكرانيا. وتتمتع كل من روسيا والصين أيضاً بعلاقات اقتصادية مهمة تتعلق بالطاقة في منطقة الخليج. فالصين، على سبيل المثال، استوردت ما يقرب من ثلاثة أضعاف ما استوردته الولايات المتحدة من النفط الخام من الشرق الأوسط في عام 2021.

وفي يناير الماضي، خلال زيارة وفد من وزارء خارجية الدول الخليجية، أكد وزير الخارجية الصيني "وانغ يي"، دعم بلاده لدول مجلس التعاون الخليجي في "حماية استقلالها وأمنها"، مضيفا أن "الصين ستواصل معارضة تدخُّل أي دولة في الشؤون الداخلية لدول مجلس التعاون بذريعة حقوق الإنسان".

فيما قال أمين مجلس التعاون أنه تم الاتفاق مع الصين على ضرورة إقامة علاقات الشراكة الاستراتيجية بين مجلس التعاون والصين في أسرع وقت ممكن، بهدف زيادة وتعميق مجالات التعاون المتبادلة، ومن المنتظر التوقيع على خطة العمل المشتركة للحوار الاستراتيجي بين مجلس التعاون والصين بين عام 2022- 2025 في وقت قريب، فيما جرت مفاوضات حول اتفاقية التجارة الحرة بين مجلس التعاون والصين، وإقامة منطقة التجارة الحرة بين المجلس والصين. وأخيرا؛ الترتيب لعقد الجولة الرابعة من الحوار الاستراتيجي بين مجلس التعاون والصين في الرياض في الوقت المناسب للجانبين، من أجل تعزيز التواصل الاستراتيجية ومتابعة البرامج التنموية وتخطيط العلاقات والتعاون في المستقبل.

وفي 2020، شهد العالم توقيع أكبر اتفاق للتجارة الحرة في العالم من دون الولايات المتحدة، تتصدره بكين، في مشهد يعكس عمق التحولات في البيئة الاستراتيجية الدولية، التي تود دول مجلس التعاون الخليجي أن تستثمره لصالحها. حيث وقّعت 15 دولة من منطقة آسيا والمحيط الهادي اتفاق للتجارة الحرة بما يشمل ثلث الاقتصاد العالمي، تحت اسم "الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة" بعد ثماني سنوات من المفاوضات، وشاركت فيها الصين واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا. ومن المرجح أن تؤدي اتفاقية (RCEP) إلى تعزيز دور الصين في العالم.

الباحث جوناثان فولتون في مقاله عبر مركز "مجلس الأطلسي"، ذهب إلى البحث في جذور الانفتاح الاقتصادي المفاجئ للصين، فأشار إلى أن الصين تحاول خلق فجوة بين الولايات المتحدة والخليج، وهو ما قد يؤدي إلى جعل منطقة الخليج (ملعب سياسات) يتم فيه تنسيق المواقف بين القوى العظمى، وهو ما يصب في النهاية في مصلحة الدول الخليجية التي باتت تملك أوراق سياسية مهمة على طاولة القوى العظمى.

وهو ما أكده "كميل لونز" في مقاله بالمركز الأوروبي للعلاقات الخارجية، تحت عنوان "لعبة الصين العظيمة في الشرق الأوسط"، قائلاً أن الصين تعمل ببطء على ترسيخ نفسها كمنافس للنفوذ الغربي في الشرق الأوسط وسط الاضطرابات الإقليمية الشديدة، ومن المهم بالنسبة للأوروبيين الاعتراف بهذا التحول، ومراقبة تطور الوجود الاقتصادي والأمني للصين هناك، وإيجاد طرق جديدة للتعامل مع البلاد في شؤون الشرق الأوسط. وأضاف أن النموذج الصيني بات يجذب العديد من الدول العربية، التي ترى التعاون مع الصين وسيلة لمقاومة الضغط الغربي في مسائل إصلاحات الحوكمة والمساءلة في مجال حقوق الإنسان مقابل مساعدات التنمية والاستثمار.

وفي دراسته "استراتيجية الكويت الجديدة لإقامة شراكة مع الصين" قال الباحث "جورجيو كافيرو"، أن كلتا الدولتين تتبع سياسة خارجية براجماتية في الشرق الأوسط. حيث يسعون جاهدين للحفاظ على الحياد النسبي في نزاعات المنطقة. بالنسبة لبكين، إذا استمرت الأزمات العنيفة في العالم العربي من سوريا إلى اليمن والعراق إلى ليبيا، فإن هذا يمثل تهديدًا خطيرًا لمبادرة الحزام والطريق الخاصة بها. وبالتالي ، فإن جهود الكويت للعمل كوسيط ووسيط سلام بين الأنظمة المختلفة والجهات الفاعلة غير الحكومية في المنطقة تعزز تصور مسؤولي بكين بأن الكويت محرك للاستقرار في منطقة تضر فيها الاضطرابات بالمصالح الصينية.

 

يمكن تلخيص إذاً مصالح الصين من توثيق علاقاتها مع الكويت في النقاط التالية:

1.    تطوير الموانئ البحرية بالكويت ضمن مشروع طريق الحرير، لضمان أمن الملاحة البحرية بعيداً عن النفوذ والتهديدات الأمريكية.

2.    الكويت من أكبر الدول التي تمد الصين بالبترول، وفي ظل تنامي الاحتياجات الصينية للطاقة، فمن غير المتوقع أن تخّفض من وارداتها الكويتية في العقد القادم.

3.    كلاعب جديد في المنطقة؛ تحذو الصين حذو روسيا في استغلال تموضع دول الكويت الدبلوماسي في منطقة الخليج والشرق الأوسط، كوسيط حيادي نال ثقة الكثير من الأطراف في السنوات القليلة الماضية واستطاع دفع بعض النزاعات تجاه التهدئة، وآخرها المصالحة الخليجية الداخلية. في هذا الصدد فإن الاهتمام الصيني بتسوية ملف إيران مع الولايات المتحدة يمكن أن يكون للكويت دور فيه.

4.    السوق الكويتي يشكّل سوقا حيوياً لاستقبال المنتجات الصينية، والرغبة المتزايدة للصين في زيادة الإنفاق على مشاريع البنية التحتية، خلال السنوات القادمة.

5.    تعوّل الصين على الكويت كعضو فاعل في مجلس التعاون الخليجي، في إتمام اتفاقية التجارة الحرة بين مجلس التعاون والصين، وإقامة منطقة التجارة الحرة بين المجلس والصين، بهدف تسهيل التجارة بين الطرفين.

ويمكن تلخيص مصالح الكويت من التقارب الصيني فيما يلي:

1.    في إطار رؤية 2035 بتحويل البلاد إلى مركز تجاري عالمي، فإن مبادرة الحزام والطريق تتقاطع مع خطة الكويت، خاصة وأن بكين لديها توجهات بالاستثمار في تطوير البنية التحتية للموانئ الكويتية كمركز لوجستي يمكن من خلاله إعادة توريد المنتجات إلى أطراف ثالثة، وبدأت الكويت بالفعل في توقيع اتفاقيات لبناء 7 مدن لوجستية ضخمة.

2.    الصين مشتري مضمون للطاقة، وقابل لاستيعاب أي زيادة في التوريدات البترولية الكويتية، حيث تمثل الصين ثاني مستهلك للنفط في العالم؛ إذْ تستهلك يومياً 12.5 مليون برميل بعد الولايات المتحدة التي تستهلك نحو 17 مليون برميل يومياً.

3.    التعاون المصرفي والمالي، يمكن للكويت الاستفادة من انضمامها للمبادرة الصينية من خلال عضويتها في المؤسسات المالية التي أطلقتها لتقديم التمويل والاستثمارات للدول على طول "الحزام والطريق"، وعلى رأسها البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية.

4.    البحث عن فرص استثمارية جديدة سواء داخل الأسواق الآسيوية أو عبر استقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية والتكنولوجيا المتطورة التي تدعم خطط التنويع الاقتصادي داخل الكويت.

5.    ضمان الأمن الغذائي للكويت، خاصة بعد اضطرابات سلاسل التوريد في جائحة كورونا، عبر ضمان تدفقات دائمة من السلع والمنتجات الغذائية، أو من خلال الاستثمار في القطاع الزراعي والغذائي. 

6.    التعاون في مجال المعادن النادرة، حيث تستحوذ الصين حاليا على 80% من المعادن النادرة في العالم وفقا لتقرير صحيفة "لوموند" الفرنسية، بالنظر إلى أهمية هذه المعادن في العديد من الصناعات الحيوية الحديثة مثل المنتجات الطبية ومنتجات التكنولوجيا الفائقة والعتاد العسكري.

7.    التعاون العسكري، حيث تمثل الصين ثاني أكبر منتج للأسلحة في العالم بعد الولايات المتحدة، وحققت أربع شركات أسلحة صينية على الأقل مبيعات كافية لتصنيفها بين أكبر 20 بائع للأسلحة في العالم.

8.    قطع الطريق على إيران التي تسير باتجاه توثيق علاقاتها مع الصين، خاصة في ظل حديث عن صفقة مقترحة بين البلدين بقيمة 400 مليار دولار، تتضمن شراء الصين للنفط الإيراني بأسعار مخفضة في مقابل دعم اقتصادي وتكنولوجي. الصين من جانبها تخشى خسارة الحليف الخليجي إذا انساقت وراء طموحات إيران. كما تجدر الإشارة إلى أن إيران تحظى بمركز مراقب في منظمة شنغهاي الصينية التجارية، إلى جانب روسيا وكازاخستان وقرغيزيا وطاجيكستان وأوزبكستان.

9.    الصين كدولة كبرى وعضو دائم في مجلس الأمن، من المهم أن تسق الكويت المواقف السياسية معها لضمان انسجامها مع الموافق العربية، بالإضافة إلى دعم حق الكويت في عضوية مجلس الأمن.

لا تخلو العلاقات الثنائية بين البلدين من تحديات في طريق تعميقها، أهمها إدارة الكويت للتناقضات السياسية التي ستنتج عن هذا الانفتاح الصيني، خاصة وأن العلاقات الأمريكية الكويتية جذرية وقديمة. وأن قرار التوسع في العلاقات بين الكويت والصين إلى ما هو أبعد من الاتفاقيات التجارية؛ قد يواجه امتعاضا غربياً.

إن تقديم الصين أي دعم عسكري أو استخباراتي أو تكنولوجي للكويت، دون النظر إلى طبيعة الضمانات الصينية للمعادلة الأمنية في المنطقة قد يعد عاملاً سلبياً بالنسبة لدول الخليج كلها للمضي في علاقة استراتيجية مع الصين.

ثمة تحدي آخر مهم في هذا السياق؛ تود الصين التعامل مع مجلس التعاون الخليجي ككتلة اقتصادية واحدة في بعض الأحيان، وهو ما جسدته زيارة يناير الماضي لوزراء خارجية أربع دول خليجية وأمين مجلس التعاون. لذلك سيكون من المهم قيادة الكويت لإجراء إصلاحات هيكلية بالمجلس الخليجي ليكون أكثر قابلية لهذا التوجه، خاصة وأن هناك مشروعات خليجية مشتركة لا تزال معطلة بسبب أزمة الخليج الداخلية التي انتهت بمصالحة "العلا" العام الماضي.

وبالنظر إلى هذا العناصر، فإن احتمالات إحراز مزيد من التقدم في مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة ليست مضمونة بالضرورة. فمع هذه القيود والتحديات، إلى جانب إكراهات التنافس الأمريكي الصيني وتداعياته على دول مجلس التعاون، قد يكون هناك مهدد للعلاقات الاستارتيجية برمتها.



المرفقات




المصادر