عاد الجدل حول موضوع الخصخصة إلى الواجهة مرة أخرى بعدما وافق المجلس الأعلى للتخصيص في الكويت في في ديسمبر الماضي على خطة موسعة لخصخصة عدد من المرافق والأنشطة الاقتصادية التي تقوم الحكومة بإدارتها، وذكر المجلس في تصريحات له نقلتها جريدة القبس المحلية، أن الخطة ستتم في مدى زمني طويل قد تصل مدته إلى 20 عاماً، لنحو 38 جهة ونشاطاً حكومياً عبر طرح تلك المشروعات على القطاع الخاص، وعلى أن يكون البدء بالمرافق التي تقوم الدولة بتشغيلها حالياً. وأضاف التقرير أن خطة الخصخصة ستنطلق على مرحلتين، المرحلة الأولى تشمل تحول بعض هذه الجهات إلى كيانات تجارية، والمرحلة الثانية تشمل خصخصة تلك الكيانات التجارية وطرح نسبة منها على القطاع الخاص لإدارتها وتشغيلها.
ومنذ مارس 2021، يدور الحديث حول عدد من المرافق حكومية التي يستهدفها التخصيص مثل مطار الكويت الدولي، وقطاع الاتصالات، محطة الشعيبة الشمالية، وميناء الشويخ، والشركة الكويتية لتزويد الطائرات بالوقود (كافكو)، والشركة الكويتية لخدمات الطيران (كاسكو)، وشركة المشروعات السياحية، وشركة النقل العام، ومطبعة الكويت الحكومية، وقطاع البريد، وبعض المشاغل الرئيسة التابعة لوزارة الكهرباء والماء.
يعود تاريخ التخطيط لعمليات الخصخصة إلى عام 2010 عندما صدر قانون رقم 37 بشأن تنظيم برامج وعمليات التخصيص والتي شملت دراسة خصخصة كل من محطة الشعيبة الشمالية للكهرباء، وبعض مرافق وزارة المواصلات، ومشاغل الكهرباء الرئيسية. وفي مايو 2012 تم تشكيل أول مجلس للتخصيص يضم 9 شخصيات من بينهم 6 وزراء بصفتهم.
وفي عام 2014 صدر مرسوم رقم 31 بشأن نقل الاشراف على الجهاز الفني لبرنامج التخصيص من رئيس الوزراء إلى وزير التجارة والصناعة، ثم صدرت اللائحة التنفيذية للقانون في فبراير 2015، وبعد 6 شهور أنشئ الجهاز الفني لبرامج التخصيص وتعيين "فهد سالم الصباح"، كما صدر مرسوم بتفويض وزير المالية لرئاسة المجلس الأعلى للخصخصة.
وفي عام 2019 بادرت الحكومة بمرسوم قانون جديد حمل رقم 6، لتشكيل المجلس الأعلى للتخصيص، في إطار تسريع وتيرة الإنجاز في هذا الملف، بعدما قالت وزارة المالية في 2018 أنه لم يتم خصخصة أي مرفق منذ صدور قانون 2010، وأن هذه السنوات السابقة كانت لعمل دراسات مستفيضة حول الاستراتيجية التي يجب اتباعها والمرافق ذات الأولوية. وفي يناير 2020، صدر مرسوم رقم 298 لسنة 2019 بتشكيل المجلس الاعلى للتخصيص برئاسة رئيس مجلس الوزراء |أو من يفوضه وعضوية كل من وزراء المالية والدولة للشؤون الاقتصادية، والتجارة والصناعة، والتربية والتعليم العالي، والنفط ووزير الكهرباء والماء، والدولة لشؤون الخدمات.
ونجحت الكويت في عام 2019 في تخصيص بورصة الكويت حيث تم بيع 44% من أسهمها في مزاد علمي لمستثمرين استراتيجيين، وجرى طرح 50% منها للمواطنين الكويتيين وكانت هذه الصفقة أول محاولة ناجحة للخصخصة بعد توقف دام أكثر من 20 عاما. ووفقاً لقواعد العمل بنظام الخصخصة، فإن هناك عدة طرق تنتهجها الحكومة للتدرج في العملية، تتلخص في:
• بيع أسهم الحكومة من خلال سوق الكويت للأوراق المالية.
• المناقصة العامة عبر اختيار أنسب العطاءات وفق معايير محددة.
• عقود الإدارة القصيرة وطويلة المدى، وتنظم شروط العقد بين الطرفين لإدارة القطاع الخاص بعض المرافق الحكومية.
• الإيجار المشروط لفترة زمنية محددة، يقع فيها المرفق الحكومي تحت إدارة مباشرة للقطاع الخاص دون تدخل من الحكومة، في مقابل إيجار محدد سلفاً وشروط يتفق عليها الطرفين.
استمرار الجدل بين المعارضين والمؤيدين
كلما أقدمت الحكومة على خطوات نحو خصخصة بعض شركات القطاع العام، يتجدد الجدل بين المؤيدين والمعارضين لها، نظرًا لتعدد التفسيرات حول الأمر من منظور النجاح والفشل، فضلا عن الإشكاليات الفكرة الاقتصادية الكامنة وراء الأمر، حيث يطرح خبراء الاقتصاد أسئلة هامة حول الغايات الحقيقية من عملية الخصخصة، وعما إذا كان سيسهم فعليًا في إصلاح اقتصادي وتنويع الدخل وتحقيق الكفاءة وتخفيف الأعباء عن القطاع العام، كما يثير الأكاديميين أسئلة جذرية أخرى تتجاوز الخلاف حول الخصخصة إلى ما هو أبعد من ذلك، مثل إعادة تعريف دور الدولة في الاقتصاد، وما هو الدور الأنسب له في ظل النظام الاقتصادي الريعي في الكويت، ومدى مساهمة الخصخصة في الانتقال من الاقتصاد الموجّه إلى اقتصاد السوق، باعتبار أن المحرك الأساسي له هو قوى العرض والطلب وليس الدولة.
من هنا ينظر المؤيدون للخصخصة إلى الحكومة باعتبارها عائق في الانتقال إلى اقتصاد حر وأكثر فعالية، ولذلك فإن إعادة توزيع الموارد من خلال الخصخصة وسيلة لتحقيق الإصلاح الاقتصادي أو تسهيل العملية الانتقالية إلى اقتصاد السوق الحر، من خلال رفع الإنتاجية والكفاءة لكل المؤسسات والقطاعات المستهدفة، ما يدفع عجلة التنمية الاقتصادية إلى الأمام. ويستدل المؤيدين في هذا الإطار بقصة نجاح شركة البورصة، التي تم تخصيصها قبل فترة ولعبت دوراً محورياً في تطوير سوق المال الكويتي وتنويع الاقتصاد الوطني، وأسهمت الشركة في إعادة تصنيف سوق الكويت باعتباره سوقا ناشئا ضمن أعلى 3 مؤشرات عالمية، ما يعزز مكانة الدولة كمركز مالي إقليمي رائد، كما نجحت في إدخال أدوات استثمارية مبتكرة، وتعزيز مستوى الشفافية، وإعادة هيكلة السوق بهدف رفع السيولة فيه، وزيادة قدرته التنافسية، استناداً إلى الاستراتيجية النابعة من مهمتها، والتي تركز على تطوير السوق ليواكب المعايير الدولية.
وتتوقع الحكومة استنادا على ذلك أن يساهم خصخصة قطاع الاتصالات في زيادة الناتج المحلي الاجمالي في 2030 بنحو 450 مليون دينار، مع تحسين البنية التحتية للاتصالات، وتقديم خدمات أفضل للمواطنين، بالإضافة لخلق فرص عمل للكويتيين في القطاع الخاص.
في المقابل ينظر المعارضون إلى الحكومة على أنها ضمانة أساسية لحفظ موارد وثروات البلاد ومن واجب الدولة الحفظ عليها وتنميتها بمعرفتها، بالإضاة إلى أهمية وضع "خطوط حمراء" لبعض القطاعات الحيوية والحساسة بالدولة والتي لا يجب اقتراب الخصخصة منها. يجادلون أيضا بأن للخصخصة تكاليف اقتصادية وأعباء مالية على المواطن، وما هي إلا إعادة توزيع الموارد لصالح التجار والمحتكرين على حساب المستهلك، ما يعزز النظام الرأسمالي المجحف اقتصاديًا. مبررين أن تجربة البورصة لا يمكن القياس عليها خاصة في خصخة القطاعات الكبرى التي تضم آلاف الموظفين.
في النظريات التقليدية للاقتصاد، تعني الخصخصة انتقال إدارة الأملاك العامة للدولة إلى الملكية الخاصة أو الإدارة الخاصة من قبل القطاع الخاص، كما تعني انتقال إنتاج السلع والخدمات التي توفرها الدولة إلى القطاع الخاص. ولذلك يدّعي مؤيدي الخصخصة أنها الحل الأمثل والوحيد للإصلاح الاقتصادي، وأن غاية الخصخصة نقل الشركات والأملاك من فشل الإدارة العامة إلى نجاح الإدارة الخاصة، ما يساهم في زيادة الكفاءة والإنتاج في النهاية.
وعود حكومية بضبط المسألة
قال مسئولين حكوميين إن تطبيق قانون الخصخصة يضمن حقوق كل الموظفين، ويعطي الحق للحكومة لفرض ما تراه من نسب عمالة وطنية في مختلف المجالات والأنشطة الاقتصادية، كما أنشأت الحكومة سلطة مراقبة هي هيئة الاستثمار الكويتية (كيا)، لمتابعة المستثمرين الجدد ووضع قواعد المنافسة المناسبة.
وفي مايو 2021، قال مجلس الوزراء أن خطة التنمية التي تستهدفها الكويت حتى عام 2030 تهدف إلى تنفيذ برنامج ضخم للخصخصة يشمل نحو 8 مشاريع، وتطمح من خلاله الى طرح المزيد من الأصول والخدمات الحكومية من خلال تحديث الإطار التشريعي وطرح مبادرات التخصيص المحتملة في القطاعات التشغيلية مما يساهم في إصلاح المالية العامة للدولة، ويصل عدد القطاعات التشغيلية المخصخصة إلى 4 قطاعات ويبلغ صافي الوفورات المالية على النفقات الحكومية نحو مليار ونصف دينار بالإضافة إلى توفير 34 ألف فرصة عمل. فيما أكد مشروع الخصخصة الحكومي، على أن البرنامج يرتكز على 4 سياسات وضوابط أساسية هي:
1. تطوير الأطر التشريعية والتنظيمية لزيادة ملكية المواطنين في الشركات المرتقب تخصيصها، ودعم إصلاح اللوائح التنظيمية في القطاعات المعنية من خلال تعديل قانون التخصيص، تحسين النظم الرقابية بشأن مكافحة الاحتكار لضمان المنافسة وحماية المستهلك والموظف، وإنشاء هيئات رقابية مستقلة لقطاعات الموانئ والطيران والكهرباء والماء.
2. تأسيس شركات بنظام الشراكة في القطاعات المستهدفة مع مراعاة توزيع الأسهم المخصصة للمواطنين بأسعار رمزية، وذلك من خلال إسباغ صفة الشركات التجارية على الأصول المرتقب تخصيصها.
3. تطوير مظلة الحماية الاجتماعية في شكل قسائم تأمين تعليمي وصحي للمواطنين الكويتيين عند تخصيص القطاعات التشغيلية وذلك من خلال وضع خطة لقسائم التأمين التعليمي وتعديل خطة التأمين الصحي للمتقاعدين بحيث يشمل جميع المواطنين.
4. الحد من عجز الموازنة عن طريق وضع سقف لا يتجاوز 5% من النفقات الجارية واستثمار حصص الفائض من التخصيص وتوزيع العوائد على المواطنين وذلك من خلال تعديل قانون الموازنة العامة.
يبدو من هذا المشهد الخلافي أن موضوع الخصخصة ليس مجرد قرارات من الحكومة أو مجلس الأمة، وأنه يجب أن أي ينال مزيداً من الحوار والدراسات المعمقة بين أطياف المهتمين والخبراء والأكاديميين في كافة أجهزة ومؤسسات الدولة، خاصة مع صعوبة الانتقال المفاجئ للخصخصة في البلاد التي يقوم اقتصادها عبر عشرات السنين على النظام الريعي، والذي يبرز فيه دور الدولة في إدارة الاقتصاد وحفظ الموارد والتوزيع العادل لها. وبحيث تؤدي هذه النقاشات إلى حسم أبرز نقاط الخلاف مثل: مصير الملكية، وطرق إعادة توزيع الثروات، وتأثيرها على العمالة، والموازنة بين الربحية والامتيازات المعيشية والاجتماعية، وأثر كل ذلك على موازنة الدولة.