محددات موقف الكويت الاستراتيجي تجاه تداعيات الحرب الروسية

حجم الخط شارك طباعة

| منذ 2022/04/02 22:04:16

 

بعد نحو أسبوعين من حشد قواتها على الحدود الأوكرانية، أطلقت روسيا عمليتها العسكرية تجاه أوكرانيا في الرابع والعشرين من فبراير الماضي، وبعد مرور شهر على القصف المكثف والتوغل البري على بعض المدن الحدودية؛ لا يزال تأثيرات الحرب السياسية والاقتصادية تهز العالم كله. وكعادة كل الصراعات العنيفة؛ لا يكون المشهد بعدها كقبلها، خاصة عندما يكون أحد أطراف الصراع قطباً عالمياً كروسيا، يسعى لمزاحمة المعسكر الغربي وإعادة صياغة النظام العالمي المتشكل من بعد  الحرب العالمية الثانية.

من ارتفاع أسعار البترول وتهديد الأمن الغذائي إلى التداعيات السياسية على أوروبا وأمريكا، يبدو المشهد ضبابياً لا يستطيع أحد أن يتوقع كيف ستكون نهايته. يعتقد بعض الباحثين أن تسفر الحرب عن زعزعة حقبة القطب الأوحد - في إشارة إلى اهتزاز هيمنة الولايات المتحدة- فيما يرى آخرون أن الحرب الجارية رسّخت النظام الدولي الحالي وليس العكس؛ بالنظر إلى حالة الوحدة الأمريكية الأوروبية بعد سنوات من الشك. لكن يظل وضع الخليج والتداعيات المتربطة به؛ محل الاهتمام الأكبر ومحط أنظار الجميع.

في هذا التقدير المختصر، نلقي الضور على تأثيرات الحرب الجارية على الخليج والكويت خاصة، وردود الفعل حولها، والمحددات التي يجب أن تضعها الكويت في الاعتبار عند تقرير الخيارات الاستراتيجية لها

 

الكويت بين طرفي الأزمة

 

فور اندلاع الحرب، سارعت دول الخليج العربي إلى سحب مواطنيها ومطالبتهم بمغادرة كييف، فيما أعلنت الولايات المتحدة حزمة أولية من العقوبات ضد روسيا شملت إدراج عدد من المصارف على قائمة العقوبات، وحرمان البلاد من أكثر من نصف وارداتها من المنتجات التكنولوجية المتطورة، وإعلان قائمة شخصيات روسية على قائمة الحظر الأمريكية، وأعلنت أوروبا وقف مشروع إمدادات الغاز الجديد بينها وبين روسيا.

تتداخل الدول الخليجية مع كلا البلدان المتصارعان في مصالح اقتصادية متعددة الأنواع، وتعد أوكرانيا إحدى الدول التي استثمرت فيها دول الخليج العربي في السنوات الماضية بشكل مكثف، في إطار اهتمام رئيس أوكرانيا "زيلينسكي"، بتوطيد علاقاته العربية منذ 2017، والتي أسفرت عن إعفاء مواطني دول الخليج من التأشيرة عند دخول بلاده.

على مستوى روسيا، كانت الكويت أول دولة خليجية تعترف بروسيا الاتحادية، وقام الأمير الراحل "جابر الأحمد الصباح" بزيارة لها عام 1991، وقدمت قرضاً لروسيا بقيمة 2 مليار دولار حينها. فيما تمت الاتفاقية العسكرية الأولى لتوريد الأسلحة عام 1993، لتصبح الكويت أول دولة في الخليج العربي توقع اتفاقية عسكرية مع روسيا، والتي أعقبت مناورات بحرية مشتركة في نهاية عام 1992. وفي مايو 1994 أعلن وزير الدفاع الروسي "بافل غراتشيف" أن الكويت وقعت اتفاقية لتسليم عدد من "BMP-3" مركبات مشاة قتالية و"S-300V" صواريخ أرض جو. فيما شهد عام 2018، أكبر ارتفاع في حجم التجارة الثنائية بين الكويت وروسيا، حيث زاد من 7 ملايين دولار أمريكي في 2006، إلى ما يقارب 325 مليون دولار أمريكي. ووفق بيانات هيئة الإحصاء الكويتية الأخيرة، فقد بلغت الواردات التجارية من روسيا 218 مليون دولار، فيما بلغت قيمة الصادرات الكويتية إلى روسيا 2.5 مليون دولار في انخفاض ملحوظ عن الأعوام الأربعة السابقة.

ظلت روسيا ترى أهمية العلاقة مع الكويت كبوابة هامة لتوسيع علاقاتها مع مجلس التعاون الخليجي، اقتصاديا بالمقام الأول في ظل العقوبات الأمريكية والتحديات الاقتصادية الداخلية بها. وسعت الأخيرة إلى عقد صفقات استثمار مع صندوق الثروة السيادي الكويتي باعتباره وسيلة للتحايل على العقوبات ولضخ رأس المال المطلوب في الصناعة والبنية التحتية الروسية. كما أن موسكو تضع التنسيق مع الكويت في قضايا النفط والغاز كأولوية حرجة، لأنها تعتمد في اقتصادها الحالي على تصدير الغاز كمصدر دخل أساسي وهي من كبرى الدول المنتجة للنفط والغاز خارج منظمة أوبك، وترغب في التفاوض بشأن أسعار النفط من أجل تجنب صدمات سوق النفط المتقلبة. وهذا ما يفسر وجود روسيا في مجموعة "أوبك بلس" كعضو خارجي. كما تعمل روسيا بدأب على تطبيق "إستراتيجية الطاقة الروسية 2030" لربط كافة الأسواق المستهدفة لها بخطوط الغاز الطبيعي، وموقع الكويت الجغرافي يشكّل أهمية خاصة في هذا الصدد.

وفي ظل رغبة روسيا لاستثمار حالة الفراغ الذي خلفته الولايات المتحدة بتراجع اهتمامها بالشرق الأوسط والتركيز نحو الصين، فإنها تعتبر أن التواجد في القضايا العربية والشرق أوسطية بمثابة تعزيز لصورتها الدولية ومكانتها التي ستعود عليها بالنفع سياسياً، وأن الكويت مفتاح حيوي باعتبارها وسيطا فاعلاً ومقبولاً لكل الأطراف في الأزمات الإقليمية، وبالتالي تعوّل روسيا على الكويت لجلبها إلى طاولة المفاوضات في العديد من القضايا، وهو ما أدركته الكويت حيث يفرض موقعها الجغرافي- كدولة صغيرة محاطة بثلاث دول كبرى في المنطقة- لتبني سياسة خارجية تميل إلى الحياد بين الأطراف المتنازعة، في إطار السعي لتحقيق التوازن الإيجابي كضمانة لحماية أمنها ودرء المخاطر الخارجية عنها.

على مستوى أوكرانيا؛ وقّعت الكويت ضمن دول مجلس التعاون الخليجي الست الإتفاق الإطاري للتعاون مع اوكرانيا في 2017 بشأن تعزيز التعاون المشترك في المجالات الاقتصادية. لذلك فالعلاقات الثنائية بين البلدين تعتبر حديثة نوعا ما على عكس العلاقات الكويتية الروسية، ومع ذلك تسارع الاهتمام المشترك بين الكويت وكييف في تنمية العلاقات الثنائية على المستويين السياسي والاقتصادي.

في عام 2019، أدانت الكويت عبر مندوبها بالأمم المتحدة التوترات في شرق أوكرانيا التي تسببت فيها روسيا، ودعت إلى الالتزام باتفاقية "مينسك" لتسوية النزاع في الإقليم المتنازع عليه. وجدد مندوب الكويت تأكيده على احترام وحدة واستقلال كل أوكرانيا.

تدرك أوكرانيا أن الكويت تتبنى الموقف الأمريكي والأوروبي تجاه بلدهم في مواجهة روسيا منذ سنوات عديدة، ورغم ضعف التبادل التجاري مقارنة بالسعودية والإمارات، فإن موقف الكويت الثابت والمستمر لدعم أوكرانيا هو الموقف الخليجي الأكثر وضوحاً في الخليج العربي.

تستهدف أوكرانيا بالانفتاح على الخليج، زيادة مصادر مواردها وعدم الاعتماد على الطرفين المتناقضين "روسيا وأوروبا"، وفي يوليو الماضي أعادت الكويت تسيير رحلاتها إلى كييف بعد توقف دام عدة سنوات. وفي مارس 2021 وقعت الدولتان مذكرة تفاهم عبر مجلس المستثمرين الأوكراني وغرفة التجارة والصناعة الكويتية لتعزيز التبادل التجاري. وتستهدف أوكرانيا تصدير الألبان والماشية إلى الكويت، وتعزيز السياحة المتبادلة.

على جانب آخر، افتتحت الكويت في 2015 أول مدرسة لخدمة أبناء مسلمي أوكرانيا داخل المركز الثقافي الإسلامي، وهي المدرسة الوحيدة في ذلك الوقت التي أولت اهتمام لهذا الملف، الأمر الذي رحبت به كييف وقدمت التسهيلات اللازمة له. فيما قدمت الكويت أيضا مساعدات عام 2018 لمراكز طبية أوكرانية.

 

تأثيرات الحرب وتنبؤاتها

 

يتوقع الخبراء أن الأزمة الحالية ستؤثر على عدة قطاعات في العالم، أهمها الغذاء والسياحة والنفط. على مستوى النفط ارتفعت الاسعار بنسبة تزيد عن 40% في أعقاب الإعلان عن الحرب ليقفز سعر البرميل من 78 دولار إلى 130 في بعض الأيام. وتستأثر روسيا بإنتاج 12% من البترول المكرر و10% من النفط الخام على مستوى العالم، وتعتمد أوروبا بشكل كبير على التدفقات النفطية الروسية. وتشكل الإمدادات الروسية حوالى 40% من حاجة الغاز الأوروبية، فيما يتجه نحو 2,3 مليون برميل من الخام الروسي غربا كل يوم عبر شبكة من خطوط الأنابيب.

وبينما يئن العالم لهذا الارتفاع، فإن الخليج أحد المستفيدين منها. وفقًا لتقديرات بنك  HSBCفي فبراير الماضي، فإن كل زيادة في سعر النفط بمقدار 10 دولارات للبرميل ستضيف 65 مليار دولار إلى عائدات تصدير النفط لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وسيؤدي وصول سعر النفط إلى 100 دولار للبرميل إلى فائض في الميزانية والحسابات الجارية بقيمة 10٪ و15٪ على التوالي من إجمالي الناتج المحلي لدول المجلس. كما أن لجوء أوروبا إلى الخليج لتعويض النفط والغاز الروسي أحد أوجه المنعفة الاستراتيجية، وبالفعل توجهت الولايات المتحدة إلى قطر لبحث مسألة إمدادات الغاز الطبيعي، فيما تبحث دول الخليج الأخرى حول ما هي المشروعات الكبرى التي يمكن أن تساعد بها المعسكر الغربي.

على جانب آخر، سيؤدي هذا الارتفاع الكبير للنفط إلى ارتفاع أسعار السلع التي تحتاجها الكويت التي تعتمد على على استيراد أغلب السلع الاستهلاكية، بما في ذلك الأسمدة والمواد الغذائية والأدوية.

في السياق نفسه، تمثل صادرات القمح من روسيا وأوكرانيا نحو 30% من حجم المعروض في الأسواق العالمية، وكذلك ما يتعلق بمواد غذائية أساسية أخرى مثل الذرة والزيوت النباتية، فيما تعد أوكرانيا خامس أكبر مصدر للقمح في العالم.

وتعتمد دول مجلس التعاون الخليجي على استيراد القمح ومعظم المواد الغذائية الأخرى، بينما تعد دول مثل إيران والجزائر من البلدان التي تحتل المراكز العشرة الأولى كأكبر دول مستوردة للقمح في العالم. في حين تستورد مصر نحو 60% من حاجتها إلى القمح من روسيا وحوالي 30% من أوكرانيا. وتأتي دول الخليج العربي في المرتبة الخامسة ضمن أكبر مستوردي للدجاج الأوكراني من دول الشرق الأوسط وفقاً لإحصائية 2020. بينما تستورد الكويت كل من القمح، والبيض وجميع أنواع الدواجن الطازجة والمجمدة والمبردة ونصف المصنعة، واللحوم، من روسيا وأوكرانيا.

في السياق نفسه، قالت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، إن الأسعار العالمية للأغذية والأعلاف قد ترتفع بما يتراوح بين 8% و20% نتيجة للصراع الدائر في أوكرانيا، مما سيؤدي إلى قفزة في عدد المصابين بسوء التغذية على مستوى العالم. فيما سجل مؤشر الفاو لأسعار المواد الغذائية ارتفاعاً قياسياً الشهر الماضي، ومن شبه المؤكد أن يستمر في الارتفاع أكثر في الأشهر المقبلة مع استمرار الصراع.

الكويت في خضم هذه الأزمة حاولت طمأنة المواطنين حول استراتيجيها في توفير الغذاء، فيما قال النائب "فايز الجمهور" في تصريح لجريدة القبس المحلية؛ إن على الحكومة تسريع وتيرة تأمين احتياجات الكويت من المؤن الغذائية والأدوية الضرورية، التي قد تتأثر بالحرب الدائرة. فيما دعا النائب "مهند الساير" الحكومة إلى توخي الحذر من تبعات الحرب الروسية الأوكرانية، مشدداً على ضرورة اتخاذ إجراءات تحصّن الكويت من ارتدادات هذه الأزمة على كل الأصعدة.

وفي فبراير الماضي، قال مصدر حكومي لجريدة "القبس" أن مخزون الكويت الغذائي من القمح والحبوب الرئيسية يكفي لمدة عام وأكثر، أما الأرز فمخزونه الاستراتيجي يكفي لمدة عامين، لافتاً إلى أن النسبة الكبرى من المواد الغذائية في السوق المحلي يتم استيرادها من مناطق آسيا وأوروبا وأفريقيا بعيدا عن منطقة العمليات.

وأشار إلى أنه إذا ما استمرت الأزمة بين أوكرانيا وروسيا فإن التأثير من المتوقع أن يطول تكاليف الشحن والتأمين، مشدداً على أن الحكومة الكويتية خلال فترة الأزمات لم ولن تتخلى عن سوقها المحلي واحتياجات مواطنيها والمقيمين فيها سواء من الناحية المادية أو اللوجستية. وأضافت أن حجم واردات الكويت السنوي من أوكرانيا يبلغ 13 مليون دينار وفي غالبيتها مواد تحويلية غير غذائية.

من جانبه، قال رئيس الاتحاد الكويتي للأغذية "عبدالله البعيجان" إن تأثر الأسواق التجارية المحلية بالحرب بين روسيا وأوكرانيا وارد جداً، لاسيما أن الأخيرة تعد مصدراً لاستيراد منتجات الثروة الحيوانية والدواجن للبلاد، فضلاً عن إمكانية توجه دول أخرى وضغطها على دول منتجة بديلة عن أوكرانيا، كالبرازيل.مضيفاً أن الاتحاد قام بقرع ناقوس الخطر قبل الحرب بفترة كبيرة، حيث رفع مذكرات إلى مجلس الوزراء والوزراء المعنيين بالمخزون الاستراتيجي الغذائي، لضمان عدم التأثر بأي حروب أو ظروف إقليمية أو أزمة كورونا أو غيرها من حالات الطوارئ، لافتاً الى إن الكويت تفتقر إلى وجود مخازن كافية تستوعب تخزين المواد الغذائية الحيوية.

 

 

 

بدوره قال صندوق النقد الدولي أن الصراع يمثّل ضربة قوية للاقتصاد العالمي وسيضر بالنمو وترفع الأسعار، وحدد الصندوق المخاطر في 3 محاور هي:

1.      ارتفاع أسعار السلع الأولية كالغذاء والطاقة سيدفع التضخم نحو مزيد من الارتفاع، مما يؤدي بدوره إلى تآكل قيمة الدخول وإضعاف الطلب.

2.     الاقتصادات المجاورة لمنطقة الصراع بصفة خاصة سوف تعاني الانقطاعات الحادة في التجارة وسلاسل الإمداد وتحويلات العاملين في الخارج كما ستشهد طفرة تاريخية في تدفقات اللاجئين.

3.     تراجع ثقة مجتمع الأعمال وزيادة شعور المستثمرين بعدم اليقين سيفضيان إلى إضعاف أسعار الأصول، وتشديد الأوضاع المالية، وربما الحفز على خروج التدفقات الرأسمالية من الأسواق الصاعدة.

 

الموقف الخليجي من الحرب

 

ألقى الوفد الدائم للمملكة العربية السعودية لدى الأمم المتحدة بنيويورك، بيانا نيابة عن دول مجلس التعاون الخليجي، وذلك خلال جلسة للجمعية العامة، أكد فيه دعم الجهود الدولية في التخفيف من حدة التوتر، وجاء في البيان: "إن دول مجلس التعاون تتابع بقلق تطورات الأحداث الجارية في أوكرانيا، وتؤكد تأييدها الجهود كافة الرامية إلى حل الأزمة من خلال الحوار والدبلوماسية ومواصلة العمل على تنفيذ الاتفاقيات المبرمة بين الأطراف المعنية التي أقرها مجلس الأمن في قراره". وأيدت أغلب الدول العربية القرارات الأممية التي تدين روسيا، عدا الإمارات التي تجنبت الإدانة المباشرة في جلستين للأمم المتحدة، قبل أن تصوت على القرار الأخير في مطلع مارس الجاري بإدانة الجانب الروسي". وحثت أغلب الدول الخليجية مواطنيها على مغادرة أوكرانيا، كما علقت العديد من شركات الطيران الخليجية رحلاتها إلى أوكرانيا، منوهة بوجود مخاوف تتعلق بالسلامة. تمثل مواقف الدول الخليجية التالية ردود الفعل "الرسمية" على الحرب الدائرة:

·     

 

الكويت: أكدت على أهمية احترام استقلال وسيادة أوكرانيا، حيث قالت الخارجية الكويتية في بيان "دعمها الكامل للجهود الدولية كافة، الرامية إلى التهدئة وخفض التصعيد وضبط النفس وتسوية الخلافات الدولية بالوسائل السلمية، واتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية المدنيين وضمان سلامتهم"، فيما أعلنت البعثة الأممية للكويت في 26 فبراير رفضها القاطع للهجوم العسكري الروسي، وساندت مع 80 دولة أخرى بالأمم المتحدة مشروع قرار لوقف الحرب. ثم ساندت الكويت قرارا أمميا جديدا "يدين بأشد العبارات الغزو الروسي لأوكرانيا.

 

 

·      السعودية: حذرت وزارة الخارجية السعودية، مما وصفته بـ"آثار وخيمة" قد تترتب على استمرار إيران في تزويد جماعة الحوثي في اليمن بتقنيات الصواريخ البالستية والطائرات المتطورة دون طيار التي تستهدف بها مواقع إنتاج البترول والغاز ومشتقاتهما في المملكة. وأكدت السعودية، في تصريح لمسؤول في وزارة الخارجية، نشرته وكالة الأنباء السعودية، أنها لن تتحمل مسؤولية أي نقص في إمدادات البترول للأسواق العالمية، في ظل الهجمات التي تتعرض لها منشآتها النفطية من الحوثيين المدعومين من إيران. فيما التقى رئيس الوزراء البريطاني "جونسون" ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان"، لإقناعه بزيادة إنتاج النفط؛ للتخفيف من أثر العقوبات الاقتصادية المفروضة على موسكو على أسعار الطاقة العالمية، وبإدانة الغزو الروسي لأوكرانيا مباشرة. وكانت السعودية قد رفضت دعوة الرئيس الأمريكى "بايدن" لضخ مزيد من النفط الهجوم على أوكرانيا. كما  أيدت الرياض القرار الأممي بإدانة روسيا، فيما أعلن ولي العهد استعداد بلاده للوساطة بين أطراف "الأزمة" في اتصالين هاتفيين منفصلين متعاقبين تلقاهما من الرئيس الروسي والرئيس الأوكراني.

·     

 

الإمارات: أجرى وزير الخارجية الإماراتي بالاتصال تلفونيًا بوزير الخارجية الروسي " في 23 فبراير وأكد الطرفان على “حرصهما على تعزيز آفاق التعاون الإماراتي الروسي”. وفي اجتماع مجلس الأمن الدولي في 24 فبراير أعادت الإمارات التأكيد على أهمية الحوار، وتكثيف الجهود الدبلوماسية على أساس القانون الدولي، واستخدام اتفاقيات "مينسك" كأساس جيد لحل سلمي للنزاع. فيما امتنعت مرتين عن التصويت ضد روسيا ثم وافقت في النهاية على المشروع الأممي الذي يدين "عدوان" روسيا. لكن موقع "أكسيوس" الإخباري نقل عن مسؤولين أمريكيين قولهم أن الحكومة الإسرائيلية ضغطت على الإمارات للتصويت بنعم على قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة يدين "الغزو الروسي" لأوكرانيا.

 

 

·      قطر: دعا الأمير "تميم بن حمد" الطرفين إلى ضبط النفس وحل الأزمة من خلال الوسائل الدبلوماسية. فيما تلقى اتصالاً من الرئيس الأوكراني فور اندلاع الحرب، أطلعه فيه على التطورات، كما استقبل رسالة من الرئيس الروسي نقلها وزير الطاقة الروسي خلال منتدى الدوحة،  داعياً إلى دعم وتعزيز العلاقات الثنائية بين الدولتين. كما أجرى وزير الخارجية القطري "محمد بن عبد الرحمن آل ثاني" مكالمتين هاتفيتين منفصلتين مع نظيريه الروسي والأوكراني للتفاهم حول الأوضاع. وأيدت الدوحة القرار الأممي لإدانة روسيا في 2 مارس الجاري، ودعت لانتهاج الحوار والطرق الدبلوماسية وضبط النفس وتجنب التصعيد، وسط مباحثات مع طرفي الأزمة.

·      البحرين: أيدت المنامة القرار الأممي لإدانة الغزو الروسي، وأكدت أنها "تدعم كافة الجهود الرامية إلى وقف العمليات العسكرية واللجوء إلى الحوار".

·      سلطنة عمان: قال السلطان "هيثم بن طارق"، إن بلاده "تتابع بقلق وأسف ما آلت إليه الأزمة الأوكرانية"، داعياً إلى ضرورة العودة للحوار ومبدأ حسن الجوار. وصوتت السلطنة إيجابياً على القرار الأممي لإدانة روسيا. فيما كانت أول دولة خليجية تعلق على التوترات الرسوية الأوكرانية قبل الحرب، وأكد ناطق دبلوماسي بوزارة الخارجية في يناير الماضي على اهتمام سلطنة عُمان بالتطورات المحيطة بالأزمة الأوكرانية، وتعرب عن قلقها من تداعيات التصعيد في تلك المنطقة، وتناشد الدول والمجتمع الدولي لمضاعفة الجهود الدبلوماسية وفق مبادئ القانون الدولي والقيم الإنسانية لتجاوز هذه الأزمة.

 

محددات موقف الكويت الاستراتيجي تجاه الصراع الحالي

 

بينما تستفيد دول الخليج وفي القلب منها الكويت اقتصادياً بارتفاع أسعار البترول، باعتبار الصادرات النفطية تمثل نحو 85% من موازنة الدولة، ما سينعكس سريعاً عبر سد العجز في الموازنة العامة، إلا أنها سوف تعاني من ارتفاع أسعار الغذاء والمواد الخام الناتجة عن كل من العقوبات الغربية على روسيا وارتفاع تكلفة الشحن وخلل سلاسل التوريد.

لا يمكن تقرير خيارات التعامل الكويتية مع الأزمة دون اعتبار الأبعاد الدولية والتاريخية للصراع وموقع الكويت منها، النقاط التالية تمثل أساساً مبدئياً للاعتبار:

1.      بينما تحاول الكويت تنويع مصادر قوتها الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية عبر تمتين العلاقات مع روسيا والصين، يجب ألا نغفل أن الكويت هي أحد حلفاء الناتو الأساسيين من غير الأعضاء، وأن مصدر التسليح الأساسي للدولة هي أمريكا وبريطانيا، وتحتفظ الكويت بأحد القواعد الأمريكية الهامة على أرضها، وتعتبر الكويت أحد المرتكزات الإقليمية للولايات المتحدة للحفاظ على الأمن البحري والتدفق الحر للنفط والاستقرار الإقليمي والتعاون في مكافحة الإرهاب. وأدى الاهتمام الأمريكي المتزايد بمنطقة المحيطين الهندي والهادي والاستراتيجية العسكرية الجديدة المبنية على وضع الصين التحدي الأكبر لها، إلى خلق ضغوط على واشنطن لتقليص مشاركتها العسكرية في الشرق الأوسط.

2.    إن الصراع الدائر بين روسيا وأوكرانيا - أحد الدول الأوروبية المرشحة للانضمام للناتو- هو في أحد أوجهه صراع نفوذ وهيمنة بين القطبين العالميين: روسيا ما بعد الاتحاد السوفيتي، والولايات المتحدة الأمريكية. يراهن في هذا الصدد كثير من المفكرين أن أحد تداعيات الحرب هي اهتزاز الثقة في النظام العالمي بشكله الحالي ودفع الكثير من الدول إلى تنويع مصادر حمايتها وإعادة صياغة محددات الأمن القومني الخاص بها. يجادل هؤلاء بأن هذه الحرب أحد حلقات الانسحاب الأمريكي من الهيمنة، وأن أي رد أمريكي ضعيف نحو روسيا - بعد وقت قصير من انسحاب أمريكا من أفغانستان- سوف يثير المخاوف حول تراجع قوة الولايات المتحدة في العالم. النتيجة النهائية في هذه الحالة بعد عدة سنوات هي انخراط الدول العربية والشرق أوسطية في "استراتيجيات التحوط"، أي تنويع مصادر ارتكاز الأمن القومي بمجالاته المختلفة؛ العسكرية والسياسية والاقتصادية. فيما ترى دول الخليج وبعض الدول العربية أن روسيا حليف مهمّ في إنتاج الطاقة، ومصدر محتمل للأسلحة والاستثمار والسلع الأخرى، ممّا حدا بتلك الدول إلى التعبير عن قلقها؛ لكنها تجنّبت إلقاء اللوم على روسيا مباشرة.

3.     بينما لا يعتمد مجلس التعاون لدول الخليج العربية على صادرات الحبوب الروسية أو الأوكرانية بشكل كامل مثل بعض الدول كمصر والمغرب، لكن استمرار الحرب وارتفاع الأسعار بهذه النسب المبالغ فيها قد يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية واقتصادية داخل الكويت وفي الدول العربية الحليفة التي استثمرت الكويت في ترسيخ أنظمة الحكم بها عبر المساعدات والاستثمارات. في المحصلة النهائية استمرار الحرب ليس في مصلحة الكويت، حتى وإن ارتفعت أسعار البترول.

4.    روسيا ليست دولة صغيرة انخرطت في حرب إقليمية ليس لها امتدادات، بل قطب عالمي متداخل بشكل أو بآخر في كثير من صراعات الشرق الأوسط. تمتلك روسيا أكبر قاعدة لها في الشرق الأوسط في سوريا، وتتداخل في الشأن الأفريقي والإيراني والعربي. استمرار العقوبات على روسيا مع استمرار حرب الاستنزاف في أوكرانيا، يمكن أن ينعكس على كثير من القضايا الإقليمية المرتبطة بالخليج. على سبيل المثال قد تتصاعد التوترات بين الخليج وإيران وتتأخر المفاوضات النووية مع الأخيرة، أو تدفع سوريا وما حولها ثمناً باهظاً نتيجة انتقام روسي محتمل. أو تودي الحاجة إلى المزيد من النفط البديل لروسيا إلى إنعاش سوق إيران، على الرغم من أنها تواجه عقوبات بالغة إلا أن النفط الإيراني من غير الصعب الحصول عليه، إن ذلك في النهاية سيعطي لطهران قوة تفاوضية كبيرة لم تكن تحلم بها. وتُعدّ ليبيا دولةً أخرى من الدول التي ستشعر على الأرجح بتداعيات الحرب المندلعة في بين روسيا وأوكرانيا. إذ تدعم غالبية دول الغرب حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من الأمم المتحدة، في حين تدعم روسيا الجيش الوطني الليبي بقيادة الجنرال خليفة حفتر في شرق البلاد.

5.    تبدو أوروبا في موقف ضعف للمرة الأولى فيما يخص إمدادات الطاقة بسبب اعتمادها الأساسي على روسيا وبحثها عن بديل، الأمر الذي يجعل دول الخليج في موقف قوة مع واشنطن، وهو ما أدركته كل من الإمارات والسعودية، وبدا من تجاهلهم لنداءات "بايدن"، وزيارة "جونسون" الباهتة أن الخليج للمرة الأولى منذ زمن بعيد يمسك بزمام المبادرة ويستطيع فرض شروطه للحصول على مكاسب مقابلة. وهو ما قد يظهر أثره المباشر في الحصول على مكاسب سريعة من الولايات المتحدة، مثل زيادة الانخراط في الشأن اليمني وحماية الرياض من هجمات الحوثيين، وإمداد السعودية بالمزيد من الصواريخ ومنصاته، أو الموافقة على صفقة الطائرات المعطلة للإمارات. أو على المدى الاستراتيجي؛ حيث استمرار دول الخليج العربية بزيادة قدرات الردع الخاصة بها عبر الانخراط في تحالفات دولية مع روسيا والصين أو إقليمية مع تركيا.

بناءا على المحددات السابقة، فإن استشراف توجه الكويت الاستراتيجي يجب أن يسبقه تقدير موقف استراتيجي ومعمق تجريه وحدة مشتركة بين باحثين ومفكرين وأجهزة معلوماتية لتقرير خلاصة التوجه الذي يمكن للدولة انتهاجه في العشر سنوات القادمة في إطار هذا المشهد المربك. سوف تكون الأسئلة الجذرية الكبرى مطروحة في هذه الحالة: هل ستدعم الكويت قيام نظام دولي متعدد الأقطاب؟ أي تنخرط من الآن في تقوية القطب الآخر المواجه للولايات المتحدة؟ أم تكتفي بدعم القطب الواحد باعتبار أن مصالح الكويت مع أمريكا لا يمكن التفكير في تجاوزها أو توفير بدائل عنها؟

وفقاً للمحلل السياسي الروسي "ألكسندر نازاروف" فإن حرباً محتملة بين روسيا ةأمريكا تلوح بوادرها في الأفق، سوف تدفع إلى تسريع حسم الخيار الاستراتيجي للخليج بين واشنطن وبكين. معلقاًّ أنه "في حالة نشوب صراع عسكري بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، فإن أي استخدام للقواعد الأمريكية في شرق البحر الأبيض المتوسط أو الخليج في الهجوم سوف يجعل من تلك المناطق الواقعة في نطاق الصواريخ الروسية مرمىً مناسباً لهذه الصواريخ. فجأة ستجد الدول العربية ذات القواعد الأمريكية على أراضيها، نفسها متورطة في تلك الحرب".

يواصل ألكسندر توقعاته الاستراتيجية قائلاً: "مع انتقال الصراع الأمريكي الروسي ثم الأمريكي الصيني إلى مراحله العسكرية؛ سيتعين حينها على الدول الصغيرة أن تختار جانباً من جانبي الصراع، فإما الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، أو الصين وروسيا. في المرحلة الأولية، سوف تكون الصين خارج هذه الصيغة، وسيكون من الأسهل الاختيار بين الغرب وروسيا، ولن يكون خيار غالبية الدول العربية، بطبيعة الحال، لصالح روسيا. بطريقة أو بأخرى، لا يمكن للدول العربية في الخليج إلا أن تختار، وسيتعيّن عليها اتخاذ هذا الخيار في وقت مبكّر عن دول العالم الأخرى. بل وسيكون هذا الاختيار صعباً للغاية".

 

لا يمكن التنبؤ إلى أي حد ستكون تداعيات الحرب الجارية بين روسيا وأوكرانيا، لكن الذي لا يحتمل الجدل هو أن عالماً  جديدا يتشكّل على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي. الحروب دائماً علامات مفصلية في التاريخ، ويجب أن تقرر كل دولة ما هي استراتيجيتها لتحويل الأزمات إلى فرص لصالحها.



المرفقات




المصادر