المستقبل الاقتصادي للسكان بعد جائحة كورونا
أثار تقرير الإدارة المركزية للإحصاء حول تأثير كورونا على سلوك المستهلكين والدخل الأسري، العددي من التساؤلات حول مستقبل المواطنين وأسرهم بعد جائحة كورونا، في ظل أزمة اقتصادية عاملية ألقت بظلالها على الكويت.
وأشار التقرير إلى نتائج المسح التي شملت عينة عشوائية من المستجيبين تقدر بـ 1148 شخصا من المواطنين الكويتيين والمقيمين، في كل المحافظات بنفس التوزيع الجغرافي للأسر المعيشية. حيث أشار 17% من الأسر الكويتية أنها تأثرت سلباً من ناحية قدرتها على الوفاء بالالتزامات المالية فيما بلغت هذه النسبة 30% من الأسر غير الكويتية.
وحول مدى ثقة الأسر الكويتية وغير الكويتية في المستقبل بالمقارنة بمفترة ما قبل الجائحة، أظهرت النتائج تخوف أسرة من كل أربعة أسر من المستقبل، في حين صرح 36% من المستجوبين أن لديهم أكثر ثقة في المستقبل.
ورغم ذلك، لم تؤثر جائحة كورونا سلباً على معدل إنفاق الأسر حسب ما جاء التقرير، حيث صرح أكثر من نصف الأسر أن الإنفاق شهد زيادة في حين لم يتم تسجيل انخفاض إلا لدى أسرة من كل عشرة أسر وذلك لعدم القدرة على الحصول على السلع للتمكن من الإنفاق أو لأن الأسرة فقدت الدخل، في حين أن حوالي ثلث الأسر لم يتأثر الانفاق بالجائحة مطلقاً.
وأرجع التقرير السبب في عدم تأثر الإنفاق بشكل كبير إلى الجهود الحكومية في دعم الأجور أثناء الجائحة، خاصة في القطاع الحكومي، حيث تم سداد الأجر كاملا لقرابة 95% من الكويتيين، حسب تصريحهم. كما تم سداد كامل الأجر لـ 65% من الوافدين واستفاد 4.23 %من الوافدين بسداد جزئي للأجر. وبلغت نسبة الذين فقدوا أجرهم بالكامل 6.11% لدى الوافدين و9.0 % لدى الكويتيين.
كان مجلس الوزراء الكويتي قد وافق على حزمة دعم مالي استجابة لأزمة كورونا بقيمة إجمالية 1.6 مليار دولار، تركز على حماية أجور القطاع العام، وخصص منحة بقيمة 780 مليون دولار، في يوليو 2020، لدعم 77 ألف كويتي يعملون في القطاع الخاص، وخفّض بنك الكويت المركزي أسعار الفائدة ثلاث مرات للمساعدة في الاقتراض، لكن بعض المراقبين اعتبر أن الحوافز الحكومية لم تقدم قروضًا كبيرة للشركات الصغيرة والمتوسطة كما تم الإعلان عنها في الأصل لأن القروض كانت ذات شروط شديدة وصارمة.
وألغت الحكومة الكويتية أغلب الاجراءات الاحترازية المشددة الخاصة بالجائجة منذ عدة أسابيع، مما أعطى ثقة لقطاعات العمل لمعاودة ممارسة أنشطتها المعتادة وتعويض خسائر العامين الماضيين. وتعتمد الكويت سياسة ثابتة منذ سنوات لتخفيف ضغوط التوظيف في القطاع الحكومي، وهي تقليص القوى العاملة الأجنبية من أجل الحد من فاتورة الإنفاق على الأجور ودعم توظيف الكويتيين بدلا من الأجانب، إلا أن هذه السياسة لا تزال تعاني من بعض الصعوبات، مثل القضاء على البطالة المقنعة وربط عمليات التوظيف بالمعايير التنافسية في الأداء والتكامل مع احتياجات سوق العمل، وتدريب الخريجين على بعض المهن التي قاطعها الكوتيتيين منذ زمن بعيد. بينما تعاني الكويت من تشبع القطاع العام، مع عجز القطاع الخاص على خلق فرص عمل جديدة، الذي يترواح بين 4 و5% فقط على الرغم من التسهيلات والدعم الحكومي للقطاع.
وكانت جريدة القبس المحلية، قد كشفت عن دراسة برلمانية قُدمت مؤخراً عن فشل كل الإجراءات والسياسات الحكومية منذ 5 سنوات للقضاء على مشكلة البطالة، وأكدت عبر مصدر حكومي أن عدد منتظري الوظيفة المسجلين في ديوان الخدمة المدنية بلغ 14891 مواطناً ومواطنة، في حين أن عدد الفرص الوظيفية المطلوبة من وزارات الدولة 17408. مشيرا إلى أن البطالة المقنعة بلغت 79%. وأوضحت الدراسة أن واقع معدلات النمو والتركيبة السكانية يؤكد أن سوق العمل تنتظره أعداد لا تقل في المتوسط عن 29 ألف طالب عمل كويتي سنويا خلال السنوات الخمس المقبلة.
لكن الإحصائيات الرسمية الأخيرة لهيئة الإحصاء الكويتية قالت أن عدد البطالة بلغ في يونيو الماضي 7668 من الجنسين.
على جانب آخر، حلّت دولة الكويت في المرتبة الأولى عربياً والـ50 عالمياً في مؤشر التقدم الاجتماعي لعام 2021، في المؤشر الدولي الذي تطلقه منظمة Social progress imperative”" الأمريكية، ويستند في منهجيته لتصنيف الدول عبر 3 حزم أساسية هي: الاحتياجات البشرية الأساسية وأساسيات الرفاه وفرص الحصول على الحقوق، وتضم هذه الحزم بداخلها العديد من المؤشرات الفرعية يبلغ عددها 53 أهمها الاحتياجات البشرية الأساسية كالرعاية الطبية الأساسية والغذاء، والمياه والصرف الصحي، والسكن، والأمن الشخصي، والتعليم، والحق في الحصول على المعرفة الأساسية، والحق في الوصول إلى المعلومات والاتصالات، والجودة البيئية، وحقوق الإنسان.
وكشف المؤشر أن البلدان ذات الدخل المرتفع تميل إلى تحقيق تقدم اجتماعي أعلى من البلدان المنخفضة الدخل، حيث احتلت الكويت المرتبة الـ15 في الدخل القومي للفرد.
ووفقا لبيانات صندوق النقد الدولي، فإن متوسط نصيب الفرد من الدخل العام للدولة حتى عام 2020 بلغ 22.251 ألف دولار سنويا، وهي نتيجة قسمة إجمالي دخل الدولة القومي على عدد المواطنين.
وكانت وكالة موديز للتصنيف الإئتماني قد توقعت أن الكويت ستحتاج إلى 90 مليار دولار حتى عام 2024 لتلبية احتياجات التمويل. فيما قدّر صندوق النقد الدولي نمو نسبة الدين إلى أكثر من 74٪ من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2025، وكانت الوكالة قد صنفت الكويت في سبتمبر 2020 عند مستوى A1 مع نظرة مستقبلية مستقرة، بعد عدة شهور من تخفيضها للتصنيف بمقدار درجتين بسبب الخلاف حول استراتيجية التمويل متوسط الأجل للبلاد والاستجابة المحدودة لتراجع عائدات النفط، فيما عدلت وكالة "فيتش" تصنيفها طويل الأجل للكويت من مستقر إلى سلبي وبررت ذلك بضبابية الرؤية الاقتصادية وعدم التوافق حول آلية خفض العجز وزيادة القيود المالية.
وقال صندوق النقد الدولي إن البلاد لا تزال تواجه تحديات اقتصادية كبيرة بسبب وباء كورونا، داعياً الحكومة إلى ضرورة أن تبقى مكافحة الوباء والتخفيف من آثاره في أولوياتها حتى يتم التعافي نهائيا، خصوصا دعم الفئات الأكثر ضعفا. وأكدت بعثة الصندوق في بيان لها، إن الكويت بحاجة إلى ضبط مالي قوي وإصلاحات هيكلية، للحفاظ على الهوامش المالية الوقائية وتعزيز النمو الاقتصادي. ويتوقع الصندوق أن يرتفع الدين الإقليمي للمنطقة بحلول عام 2025 إلى 1.5 تريليون دولار. كما ستكون هذه الزيادة في الكويت الأكثر تأثيراً، حيث ستنتقل من نسبة 12٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2019 إلى نسبة بين 70 الى 91٪ في عام 2025.
في السياق ذاته، احتلت الكويت المرتبة الخامسة على مستوى الدول الخليجية والشرق الأوسط والمرتبة 54 على العالم في مؤشر جودة الحياة لعام 2021 الصادر عن قاعدة البيانات العالمية “NumBio”. وصنّف المقياس جودة الحياة في 87 دولة بناءً على عوامل إحصائية مثل القوة الشرائية، والأمن، والرعاية الصحية، وتكلفة المعيشة والأسعار مقارنة بدخل
المواطنين، ويعتمد الموقع على استطلاع آراء الجمهور حول أسعار المستهلكين، ومعدلات الجريمة، وجودة الرعاية الصحية ومعايير أخرى.
فيما كشفت مؤسسة "ميرسر" في تصنيفها السنوي أن مدينة الكويت جاءت في المرتبة الثانية على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي كأرخص الدول على مؤشر تكلفة المعيشة لعام 2021، وذلك بعد العاصمة القطرية الدوحة التي جاءت في الصدارة خليجيا كأرخص المدن، وجاء في التصنيف أن الكويت تراجع ترتيبها عالمياً درجتين من المرتبة 113 إلى 115، فيما جاءت العاصمة القطرية الدوحة في المرتبة 130 عالميا. وتستند بحوث ميرسر في تقييمها للمدن من حيث غلاء المعيشة حول العالم إلى عوامل أساسية مثل تقلبات العملة وتضخم التكلفة وعدم استقرار أسعار الإقامة. وتعكس التكلفة الإجمالية للمؤشر أسعار أكثر من 200 عنصر بينها تكلفة السكن والمواصلات والطعام والملابس والسلع المنزلية والترفيه.
وأدت زيادة التضخم في الكويت في عام 2021 إلى الشكوى من ارتفاع الأسعار بشكل أساسي للمنتجات الغذائية وبعض أسعار الخدمات الأخرى كالسكن والرعاية الصحية. وقال تقرير صادر عن بنك “MUFG” الدولي، إن معدل التضخم في الكويت هو الأكبر بين دول مجلس التعاون الخليجي. وزاد التضخم في الكويت في العامين الماضيين بعد أن كان صاحب أقل معدل تضخم في عام 2018. والذي يعزى بشكل رئيسي للارتفاع الكبير بالأسعار في الكويت.
بدورها، نشرت الإدارة المركزية للإحصاء إحصائية حول الرقم القياسي لتغير الأسعار لأسعار المنتجين في الربع الثاني لهذا العام ومقارنته بالربع الأول، وأشارت في تقريرها أن الرقم القياسي بلغ 91 مسجلا ارتفاعاً قدره 8.72% مقارنة بنفس بأول ثلاث شهور من عام 2021. وأضافت أن الصناعات الاستخراجية شهدت ارتفاعاً بمقدرا 11.87%، فيما شهدت الصناعات التحويلية ارتفاعاً بمقدار 5.31% متأثرة بارتفاع أسعار مجموعتى "استخراج وتكرير النفط".
وفي مقارنة التقرير بين العامين 2020 و2021، أوضح أن الرقم القياسي لأسعار المنتجين ارتبع بنسبة 110% وهي النسبة الأكبر على الإطلاق خلال الخمس سنوات الماضية.
تعتقد دراسات البنك الدولي أن احتمالات سحب الحكومة من صندوق الأجيال القادمة لتمويل العجز المتضخم، سيؤدي إلى نفاذ سيولة الأصول المتاحة للصندوق السيادي في أقل من عامين في حال عدم اللجوء إلى مصادر التمويل الأخرى. فيما تظل أزمة التوافق بين الحكومة ومجلس الأمة عاملاً مهماً في إبطاء أي برامج طموحة لدفع عجلة الاقتصاد وإصلاح البنية التشريعية لزيادة الاستثمارات. وواجهت البدائل الحكومية لتوفير السيولة رفضا تشريعياً داخل البرلمان الكويتي، سواء لقانون إقرار الدين العام المتوقف عن العمل به منذ 2017، أو تسييل أصول لدى الصندوق السيادي، والذي يبلغ حجمه حوالي 560 مليار دولار. وهو المناخ العام الذي سيدفع ثمنه المواطن الكويتي في النهاية، مالم تصل الحكومة لحلول جذرية للعوائق الاقتصادية.