الكويت: ما بعد مرحلة صباح الخالد؟

حجم الخط شارك طباعة

| منذ 2022/04/05 19:04:55

بات في حكم المؤكد أن رئيس مجلس الوزراء الشيخ صباح الخالد الصباح لن يعاد تكليفه في منصبه كرئيس للوزراء، بعد أن تقدم باستقالته لسمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الصباح، اليوم الثلاثاء، بعد أن تجاوز عدد الأصوات التي أعلنت طرح الثقة فيه 25 نائباً، ووقوف الكتل السياسية الكبرى، وعلى رأسها الحركة الدستورية الإسلامية "حدس" ضده، وهو ما يعني إطلاق رصاصة الرحمة عليه.

ويعد الشيخ صباح الخالد أول رئيس مجلس وزراء يرحل عن طريق تصويت مجلس الأمة، إذ تقدم ناصر المحمد باستقالته عام ٢٠١١ بعد تصاعد التظاهرات تزامناً مع حراك الربيع العربي، فيما استقال الشيخ جابر المبارك عام ٢٠١٩ بعد الخلافات العاصفة بينه وبين ابن عمه الشيخ ناصر صباح الأحمد رحمه الله، وزير الدفاع الأسبق، التي انتهت بتقديم الثاني قضية اختلاسات صندوق الجيش إلى النيابة العامة، وقيامه بنشر أوراق وملفات "صندوق الجيش" في وسائل التواصل الاجتماعي.

لكن الإشكالية ليست في رحيل صباح الخالد، بل في مرحلة ما بعد صباح الخالد، إذ أن الاختبار أمام القيادة السياسية يبدو صعباً وشائكاً مع تعقد الموقف وحدة الغضب الشعبي في الشارع، وفي تقديرنا أن كل الخيارات ستؤدي إلى ولادة أزمة جديدة، مع وجود تراجع في عدد الأشخاص المؤهلين لمنصب رئاسة الحكومة لدى الأسرة الحاكمة، إذ لا توجد هناك شخصيات كبيرة يمكن لها أن تلم شتات الحكومة، كما أن الشيوخ الشباب بعضهم يفضل الابتعاد عن هذه المحرقة، والبعض الآخر منهم احترق بسبب سيل الاستجوابات التي قدمت له، أو الأزمات السياسية التي مر بها منذ عام ٢٠١١ وحتى اليوم.


 

حل مجلس الأمة مع استقالة الحكومة وتكليف رئيس مجلس وزراء جديد:

 

يبدو هذا الخيار منطقياً للكثير من نواب المعارضة، لكن هذا الخيار يحمل في حقيقته أزمة سياسية كبرى للنظام السياسي بأكمله ، وذلك لأن "الموجة الشعبية" عالية جداً، والشارع السياسي بكافة انتماءاته محتقن بشكل كبير تجاه الحالة السياسية الراهنة، حتى أن الحكومة فقدت كل الكتل الاجتماعية التي كانت تدعمها في السنوات الماضية مثل الشيعة والحضر، وهو ما يعني أنه في حال العودة إلى الانتخابات فإن هناك نواباً جدد سيقومون بتمرير قوانين لا يرغب النظام السياسي فيها، مثل تعديل اللائحة الداخلية في مجلس الأمة، وأهمها التصويت العلني في انتخابات رئاسة مجلس الأمة، وتعديل قانوني المسيء ورد الاعتبار، وتشكيل لجان تحقيق في قضايا كبيرة، إضافة إلى قوانين اجتماعية واقتصادية، ما يعيد المشهد إلى مجلس الأغلبية عام ٢٠١٢.


إضافة إلى ذلك، فإن من المحتمل أن يأتي رئيس مجلس الأمة القادم، من الأغلبية المعارضة ما يفقد الحكومة السيطرة على المؤسسة التشريعية وعدم امكانية التفاهم معها بأريحية كما تفعل الآن.


رئيس مجلس وزراء جديد بدون حل لمجلس الأمة:


يبدو هذا الخيار مطروحاً على مستويات كبيرة، وهو الأقرب للواقع بحسب الكثير من المصادر، لكن الإشكالية الكبرى فيه، هي أن رئيس الوزراء الجديد سيرث خصومات ومعارك رئيس مجلس الوزراء الشيخ صباح الخالد ورئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم مع هذا المجلس، ما يعني أن النواب سيستمرون بالتصعيد حتى الإطاحة برئيس مجلس الوزراء الجديد، بغية حل مجلس الأمة وتمكينهم من عقد انتخابات رئاسة برلمانية جديدة، والسيطرة على أغلبية تسمح لهم بما تم ذكره أعلاه، كما أنه من الصعب أن يقوم شيخ بهذه الخطوة ويتولى رئاسة الوزراء في ظل الظرف الحالي وعدم وجود وضوح للرؤية على كافة المستويات.


دمج ولاية العهد برئاسة الوزراء:


يبدو هذا الخيار سلاحاً ذو حدين بالنسبة للقيادة السياسية، إذ أنه قد يُسهم بحماية كرسي رئيس مجلس الوزراء من الاستجوابات، لكنه قد يؤدي إلى توجه الأغلبية المعارضة إلى حرق معظم الوزراء وعلى رأسهم الشيوخ ، ما يعني توالي تقديم استقالات للحكومة وتشكيل أخرى جديدة في فترات قصيرة، ما يؤدي لعدم الاستقرار في المشهد السياسي برمته سواء على مستوى تعطل أعمال الحكومة وكذلك تعطل أعمال البرلمان أيضاً ، وهو ما قد يصيب البلد بحالة شلل تام، ما يعني الدخول في معركة سياسية مفتوحة لا تتحملها الكويت في الوقت الحالي.


رئيس وزراء شعبي؟

 

إن هذه الخطوة باتت تُطرح بقوة بين أوساط ما يمكن لنا وصفهم بالمعارضة المتشددة، وعلى رأسها الدكتور فيصل المسلم، الذي تروج المجموعة المتحلقة حوله من الشباب لها، وتتداول مصادر لـ"منظار" بأن أحمد السعدون قد يطرحها في المشاورات التقليدية التي تُجرى بحضور رؤساء مجلس الوزراء ورؤساء مجلس الأمة السابقين قبل اختيار رئيس مجلس الوزراء، ورغم أنه لا يوجد استفتاء أُجري لمعرفة مدى قبول هذه الفكرة شعبياً، إلا أنها تحظى بقبول كثير من الشباب الكويتي المسيس أو ممن يمكن تسميتهم بشباب الحراك.

هذه الفكرة رغم جاذبيتها، إلا أنها تواجه مشاكل كبيرة مرتبطة بالبنية الاجتماعية للمجتمع الكويتي، وطريقة النظام السياسي القائم على تحقيق المكاسب الفردية أو القبلية أو الطائفية أو العائلية أو الحزبية، ومن خلال النظر إلى تجارب تولي نواب مجلس الأمة للحقائب الوزارية، نجد أنهم يعتبرون أكثر من قام بالتعيينات لمفاتيحهم الانتخابية أو من دوائرهم القبلية أو الطائفية أو العائلية أو الحزبية والتي جاءت على حساب الكفاءات الموجودة في الوزارات، وهو ما أدى إلى تراجع أداء المؤسسات الحكومية في الكويت بشكل كبير.

إن تجربة الحكومة الشعبية، بناء على رئيس وزراء منتخب، قد تؤدي في أسوأ الأحوال إلى اصطفافات سياسية تعطل المسار التنموي للبلد، والذي يعاني أصلاً بشكل كبير هذه الأيام بسبب تفشي الفساد وغياب الشفافية، ولعل أحد أهم القضايا الشاهدة على صراع الاصطفافات، هي الصراع بين الحركة الدستورية الإسلامية (حدس) وبين حركة العمل الشعبي (حشد) والتي كان اسمها آنذاك التكتل الشعبي، على عدد من المشاريع الحيوية آنذاك والتي كان منها مشروع المصفاة الرابعة ومشروع (الداو كيمكال).

أما أحسن الأحوال، فهو تحول الحكومة الشعبية، إلى حكومة توافقية، يتم فيها التوافق على تقسيم الوزارات بين الأحزاب والكتل والقبائل والطوائف والعوائل، وهذه الديموقراطية التوافقية في ظل النظام الريعي ستؤدي إلى تآكل المؤسسات وعجز كبير ومتسارع في ميزانية الدولة، ولعل أقرب مثال على هذا هو ما يسمى بالحكومات التوافقية في العراق.
فإلى أين تتجه مسارات الحلول في الكويت في المستقبل القريب ؟
هذا ما ستكشفه الأيام القليلة المقبلة..



المرفقات




المصادر